ولد بعد مغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة، وعرض محافيظه على العز الكناني الحنبلي فقال له ما كنيتك فقال لا كنية لي فقال "أبو الفضل" وكتبه بخطه. وتوفي والده وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر، وقد وصل في القرآن إذ ذاك إلى سورة التحريم، وأسند وصايته إلى جماعة منهم الكمال بن الهمام فقرره في وظيفة الشيخونية ولحظه بنظره، وختم القرآن العظيم وله من العمر دون ثمان سنين، ثم حفظ عمدة الأحكام ومنهاج النووي وألفية ابن مالك ومنهاج البيضاوي، وعرض ذلك على علماء عصره وأجازوه، وأخذ عن الجلال المحلى والزين العقبى، وأحضره والده مجلس الحافظ ابن حجر، وشرع في الاشتغال بالعلم من ابتداء ربيع الأول سنة أربع وستين وثمانمائة فقرأ على الشمس السيرامي صحيح مسلم إلا قليلا منه والشفا وألفية ابن مالك فما أتمها إلا وقد صنف، وأجازه بالعربية وقرأ عليه قطعة من التسهيل وسمع عليه الكثير من ابن المصنف والتوضيح وشرح الشذور والمغنى في أصول فقه الحنفية وشرح العقائد للتفتازاني، وقرأ على الشمس المرزباني الحنفي الكافية وشرحها للمصنف ومقدمة ايساغوجي وشرحها للكاتي وسمع عليه من المتوسط والشافية وشرحها للجاربردي ومن ألفية العراقي، ولزمه حتى مات سنة سبع وستين، وقرأ في الفرائض والحساب على علامة زمانه الشهاب الشار مساحي، ثم لزم دروس العلم البلقيني من شوال سنة خمس وستين فقرأ عليه ما لا يحصى كثرة، ولزم أيضا الشرف المناوي إلى أن مات وقرأ عليه ما لا يحصى، ولزم دروس محقق الديار المصرية سيف الدين محمد بن محمد الحنفي، ودروس العلامة التقي الشمني، ودروس الكافيجي، وقرأ على العز الكناني، وفي الميقات على مجد الدين بن السباع والعز بن محمد الميقاتي، وفي الطب على محمد بن إبراهيم الدواني لما قدم القاهرة من الروم، وقرأ على التقي الحصكفي والشمس البابي وغيرهم عن شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد. جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضيري السيوطي الشافعي المسند المحقق المدقق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة.وأجيز بالإفتاء والتدريس. وقد ذكر تلميذه الداودي في ترجمته أسماء شيوخه إجازة وقراءة وسماعا مرتبين على حروف المعجم فبلغت عدتهم أحدا وخمسين نفسا واستقصى أيضا أسماء مؤلفاته الحافلة الكثيرة الكاملة الجامعة النافعة المتقنة المحررة المعتمدة المعتبرة فنافت عدتها على خمسمائة مؤلف، وشهرتها تغني عن ذكرها، وقد اشتهر أكثر مصنفاته في حياته في أقطار الأرض شرقا وغربا، وكان آية كبرى في سرعة التأليف حتى قال تلميذه الداودي: عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفا وتحريرا، وكان مع ذلك يملي الحديث ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة، وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالا وغريبا ومتنا وسندا واستنباطا للأحكام منه، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث، قال ولو وجدت أكثر لحفظته، قال ولعله لا يوجد على وجه الأرض الآن أكثر من ذلك.
ولما بلغ أربعين سنة أخذ في التجرد للعبادة والانقطاع إلى الله تعالى والاشتغال به صرفا والإعراض عن الدنيا وأهلها كأنه لم يعرف أحدا منهم، وشرع في تحرير مؤلفاته، وترك الإفتاء والتدريس واعتذر عن ذلك في مؤلف سماه بالتنفيس، وأقام في روضة المقياس فلم يتحول منها إلى أن مات، ولم يفتح طاقات بيته التي على النيل من سكناه، وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته ويعرضون عليه الأموال النفيسة فيردها، وأهدى إليه السلطان قانصوه الغوري خصيا وألف دينار فرد الألف وأخذ الخصى فأعتقه وجعله خادما في الحجرة النبوية وقال لقاصد السلطان لا تعد تأتينا بهدية قط فان الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك، وطلبه السلطان مرارا فلم يحضر إليه، ورؤى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام والشيخ السيوطي يسأله عن بعض الأحاديث والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له هات يا شيخ السنة، ورأى هو بنفسه هذه الرؤيا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له هات يا شيخ الحديث...ومناقبه لا تحصر كثرة ولو لم يكن له من الكرامات إلا كثرة المؤلفات مع تحريرها وتدقيقها لكفى ذلك شاهدا لمن يؤمن بالقدرة. وله شعر جيدة كثير ومتوسطة أكثر، وغالبة في الفوائد العلمية والأحكام الشرعية.
وتوفي سحر ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة في منزله بروضة المقياس- بعد أن تمرض سبعة أيام بورم شديد في ذراعه الأيسر- عن إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يوما، ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة.(الحاوي للفتاوى)