عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول : (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )). رواه إماما المحدثين : أبو عبد الله محمد ابن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري ، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة .
المفردات :
إنما : للحصر ، وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه .
الأعمال : الشرعية المفتقرة إلى النية .
بالنيات : بتشديد الياء وتخفيفها جمع نية وهي عزم القلب.
وإنما لكل امريء ما نوى : فمن نوى شيئا لم يحصل له غيره .
فمن كانت هجرته : إنتقاله من دار الشرك إلى دار الإسلام .
إلى الله ورسوله : بأن يكون قصده بالهجرة طاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم .
فهجرته إلى الله ورسوله : ثوابا وأجرا .
لدنيا : بضم الدال وكسرها من الدنو، أي القرب سميت بذلك لسبقها للأخرى ، أو لدنوها إلى الزوال ، وهي ما على الأرض مع الهواء والجو مما قبل قيام الساعة . وقيل : المراد بها هنا المال بقرينة عطف المرأة عليها .
يصيبها : يحصيها .
ينكحها : يتزوجها .
فهجرته إلى ما هاجر إليه : كائنا ما كان ، فالأول تاجر والثاني خاطب
يستفاد منه :
1- الحث على الإخلاص ، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان صوابا وابتغي به وجهه . ولهذا استحب العلماء استفتاح المصنفات بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية.
2- أن الأفعال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل إذا فعلها المكلف على سبيل العادة لم يترتب الثواب على مجرد ذلك الفعل وإن كان صحيحا ، حتى يقصد بها التقرب إلى الله .
3- فضل الهجرة إلى الله ورسوله . وقد وقعت الهجرة في الإسلام على وجهين : الأول _ الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن ، كما في هجرتي الحبشة ، وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة ، الثاني _ الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان ، وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين . وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة ، إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص . وبقي عموم الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام لمن قدر عليه واجبا .