الباب الثالث
"في مخالفاته الأخرى"
وتحته ثلاثة فصول:
الفصل الأول
"تأثره بعلم الكلام"
تمهيد:
تأثر الشاطبي رحمه الله تعالى بعلم الكلام تأثراً ظاهراً ، بل إنه كما يتضح من كثير من كلامه يعظم هذا العلم ، وما سبق في مباحث التوحيد والإيمان والقدر جزء من تأثره به ، وقد ذكرت أن كتب الكلام هي موارده في تقرير العقائد ويحيل إليها دائماً، وفي هذا الفصل سوف أذكر بعض المسائل الأخرى التي ظهر فيها تأثره بهم من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: كلامه في النبوات.
المبحث الثاني: كلامه في الميزان .
المبحث الثالث: كلامه في الأخبار.
المبحث الرابع:في تعظيم علم الكلام.
المبحث الأول
"كلامه في النبوات"
1-قال في (الموافقات) 2/484:(إنه لولا أن اطراد العادات معلوم لما عرف الدين من أصله، فضلاً أن تعرف فروعه ، لأن الدين لا يعرف إلا عند الاعتراف بالنبوة ، ولا سبيل إلى الاعتراف بها إلا بواسطة المعجزة ، ولا معنى للمعجزة إلا أنها فعل خارق للعادة ، ولا يحصل فعل خارق للعادة إلا بعد تقرير اطراد العادة في الحال والاستقبال كما اطردت في الماضي ، ولا معنى للعادة إلا أن الفعل المفروض لو قدر وقوعه غير مقارنٍ للتحدي لم يقع إلا على الوجه المعلوم في أمثاله ، فإذا وقع مقترناً بالدعوة خارقاً للعادة علم أنه لم يقع كذلك مخالفاً لما اطرد عليه الأمر والداعي صادق ، فلو كانت العادة غير معلومة لما حصل العلم بصدقه اضطراراً لأن وقوع مثل ذلك الخارق لم يكن بدون اقتران الدعوة والتحدي ، لكن العلم بصدقه حاصل ، فدل على أن ما انبنى عليه العلم معلوم أيضاً وهو المطلوب).
2-وقال في (الموافقات) 2/486:(إذا رأينا جزئياً انخرقت فيه العادة على شرط ذلك دلنا على ما تدل عليه الخوارق من نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - إن اقترنت بالتحدي ، أو ولاية الولي إن لم تقترن أو اقترنت بدعوى الولاية على القول بجواز ذلك).
قلت :
ويظهر في الكلام السابق تأثره بأهل الكلام من وجوه:
الوجه الأول:أن قوله(لا سبيل إلى الاعتراف بالنبوة إلا بواسطة المعجزة) موافق لما ذهب إليه المتكلمون في إثبات النبوة من المعتزلةو الأشاعرةوغيرهم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى-عن طريقتهم في ذلك-
هذه الطريقة هي من أتم الطرق عند أهل الكلام و النظر حيث يقررون نبوة الأنبياء بالمعجزات ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء ، لكن كثير من هؤلاء بل كل من بنى إيمانه عليها يظن أنا لا نعرف نبوة الأنبياء إلا بالمعجزات ، ثم لهم في تقرير دلالة المعجزة على الصدق طرق متنوعة وفي بعضها من التنازع والاضطراب ما سننبه عليه ، والتزم كثير من هؤلاء إنكار خرق العادات لغير الأنبياء حتى أنكروا كرامات الأولياء والسحر ونحو ذلك-إلى أن قال- ومنهم من يجعل المعجزة دليلاً ويجعل أدلة أخرى غير المعجزة وهذا أصح الطرق ، ومن لم يجعل دليلها إلا المعجزة اضطر لهذه الأمور التي فيها تكذيب لحق أو تصديق لباطل ، ولهذا كان السلف والأئمة يذمون الكلام المبتدع فإن أصحابه يخطئون إما في مسائلهم وإما في دلائلهم فكثيراً ما يثبتون دين المسلمين في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله على أصولٍ ضعيفة بل فاسدة ، ويلتزمون لذلك لوازم يخالفون بها السمع الصحيح والعقل الصريح، وهذا حال الجهمية من المعتزلة وغيرهم)اهـ.
واعلم أن ما ذهب إليه الأشاعرة في هذا –ووافقهم عليه الشاطبي-هو بناءً على معتقدهم في القدر من نفي الحكمة والتحسين والتقبيح العقليين وتجويزهم على الله فعل كل ممكن ، فهم يجوزون على الله إرسال كل أحد ، فليست الرسالة عندهم اصطفاء من الله سبحانه لسبب أو حكمة ، فالنبوة عندهم صفة إضافية راجعة إلى خطاب الشارع فقط ، وليست صفة ثبوتية في نفس النبي ،كما يقولون ذلك في الأعيان والأفعال وأن حسنها وقبحها راجع إلى خطاب الشارع لا إلى صفاتٍ فيها، كالصدق عندهم فليس حسناً لذاته بل لأمر الله به ، ولو انعكس فنهى عنه لصار قبيحاً ، وكذلك قولهم في النبوة أنها ليست اصطفاء من الله للنبي بسبب صفات يتميز بها على غيره بل هو اصطفاء من غير سبب و لا حكمة ، ولما كان هذا مذهبهم احتاجوا إلى تمييز الصادق من الكاذب بالمعجزة-لتجويزهم على الله أن يرسل كل أحد سواء كان معروفاً بالصفات الحسنة أو السيئة قبل النبوة-.
وهذا الكلام فاسد –سبق إبطال بعضه في مبحث التحسين والتقبيح- فإن الصحيح أن النبوة صفة ثبوتية وإضافية معاً، فقد قال الله تعالى (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس) ، وقوله تعالى –عن موسى-(ولتصنع على عيني) ،وقال تعالى
الله أعلم حيث يجعل رسالته) فهو سبحانه حكيم يضع الأمور في مواضعها ، فهو أعلم بمن يصلح لرسالته ممن يتصف بالأخلاق الجميلة والبريء من الأخلاق الدنيئة ، وهو ذو الحكمة البالغة في أمره ونهيه وأفعاله ، لهذا فالكلام على النبوة فرع على إثبات الحكمة.
وقد روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى بعثت في القرن الذي كنت فيه) ، وروى مسلم عن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم) ، وروى أحمد عن العباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (أنا محمد بن عبدالله بن عبد المطلب ، إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه ، وجعلهم فريقين فجعلني في خير فرقة ، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة ، وجعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً ، فأنا خيركم بيتاً وخيركم نفساً) وروى أحمد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: (إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته).
فالله سبحانه حكيم في أفعاله ، لا يبعث أي أحد –كما يقوله هؤلاء-، بل يصطفي من يشاء من خلقه ممن يتصف بصفات تؤهله لذلك كما في الأحاديث السابقة ، فإذا ثبت هذا الأمر فحصر دليل النبوة على المعجزة خطأ ، بل النبوة تعلم بطرقٍ كثيرة غير طريق المعجزات ، فإن الناس إذا قويت حاجتهم إلى معرفة الشئ يسر الله أسبابه.
لهذا كان إيمان خديجة رضي الله عنها قبل ظهور المعجزات ، بل إنها استدلت بأحواله قبل النبوة على صدقه بعدها فقالت –كما ثبت في الصحيحين-(كلا والله ، لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق ) ، وكذلك إيمان أبي بكرٍ - رضي الله عنه - وغيره من السابقين كان قبل ظهور المعجزات بل لما يعلمون من أحواله وصدقه وأمانته ، وكذلك هرقل استدل على صدقه بخصاله وصفاته قبل أن يوحى إليه ، كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أبا سفيان - رضي الله عنه - حدثه -بالحديث الطويل في إرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل يدعوه للإسلام وإرسال هرقل لأبي سفيان يسأله وكان مشركاً- وفيه قول هرقل (وسألتك عن حسبه ، فزعمت أنه فيكم ذو حسب ، وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها، -وفيه- وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا ، فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله ، -وفيه- إن يكن ما تقول حقاً إنه لنبي).
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:
(وإذا تأمل المنصف ما قدمناه من جميل أثره ، وحميد سيره ، وبراعة علمه ، ورجاحة عقله وحلمه، وجملة كماله ، وجميع خصاله ، وشاهد حاله وصواب مقاله ، لم يمتر في صحة نبوته وصدق دعوته ، وقد كفى هذا غير واحد في إسلامه والإيمان به ، فروينا عن الترمذي وابن قانع بأسانيدهم أن عبد الله بن سلام قال لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة جئته لأنظر إليه ، فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب…وعن أبي رمثة التيمي :أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعي ابن لي فأريته ، فلما رأيته قلت: هذا نبي الله ، وروى مسلم وغيره أن ضماداً لما وفد عليه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، قال له : أعد عليّ كلماتك هؤلاء ، فلقد بلغن قاموس البحر، هات يدك أبايعك ، وقال جامع بن شداد : كان رجل منا يقال له طارق فأخبر أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فقال : هل معكم شئ تبيعونه؟ قلنا :هذا البعير ، قال : بكم؟ قلنا: بكذا وكذا وسقاً من تمر، فأخذ بخطامه وسار إلى المدينة ، فقلنا : بعنا من رجل لا ندري من هو ؟ ومعنا ظعينة ، فقالت: أنا ضامنة لثمن البعير ، رأيت وجه رجلٍ مثل القمر ليلة البدر ، لا يخيس بكم ، فأصبحنا فجاء رجل بتمر فقال: أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر وتكتالوا حتى تستوفوا ، ففعلنا ، وفي خبر الجولندى ملك عمان لما بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوه إلى الإسلام قال الجولندى: والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ، ولا ينهى عن شئ إلا كان أول تارك له ، وأنه يغلب فلا يبطر ، ويُغلب فلا يضجر ، ويفي بالعهد ، وينجز الموعود ، وأشهد أنه نبي ، وقال نفطويه في
قوله تعالى (يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار) هذا مثل ضربه الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - يقول : يكاد منظره يدل على نبوته وإن لم يتل قرآناً كما قال ابن رواحة:
لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر)اهـ.
الوجه الثاني : قوله (ولا معنى للمعجزة إلا أنها فعل خارق للعادة) فإن هذا تعريف المتكلمين للمعجزة ، فإنهم جعلوا حدها الذي تعرف به أنها الفعل الخارق للعادة ، وهذا هو المحظور ، فالخارق للعادة جنس عام يدخل فيه معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء وخوارق الشياطين ، ولأنهم حدوا المعجزة بهذا –ولم يميزوا بينها وبين غيرها-فقد افترقوا إلى حزبين :
الحزب الأول : وهم الذين أنكروا الكرامات وخوارق السحرة ونحوهم لئلا يلتبس عندهم النبي بغيره إذا خرقت العادة لكل واحد منهم –لأن جنس الخوارق عندهم واحد- ، وهؤلاء هم المعتزلة، وغيرهم كابن حزم الظاهري.
والحزب الثاني: وهم الذين أجازوا أن يكون كل خرقٍ لعادة من معجزات الأنبياء حتى لو كان من جنس خوارق الشياطين ، وهم الأشاعرة ومن تبعهم .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
(ومن هنا دخل الغلط على كثير من الناس ، فإنهم لما رأوا آيات الأنبياء خارقة للعادة لم يعتد الناس مثلها ، أخذوا مسمى خرق العادة ولم يميزوا بين ما يختص به الأنبياء ومن أخبر بنبوتهم ، وبين ما يوجد معتاداً لغيرهم ، واضطربوا في مسمى هذا الاسم كما اضطربوا في مسمى المعجزات ، ولهذا لم يسمها الله في كتابه إلا آيات وبراهين ، فإن ذلك اسم يدل على مقصودها ويختص بها لا يقع على غيرها ، لم يسمها معجزة ولا خرق عادة ، وإن كان ذلك من بعض صفاتها ، فهي لا تكون آية وبرهاناً حتى تكون قد خرقت العادة وعجز الناس عن الإتيان بمثلها ، لكن هذا بعض صفاتها وشرط فيها وهو من لوازمها ، لكن شرط الشئ ولوازمه قد يكون أعم منه ، وهؤلاء جعلوا مسمى المعجزة وخرق العادة هو الحد المطابق لها طرداً وعكساً ، كما أن بعض الناس يجعل اسمها أنها عجائب، وآيات الأنبياء إذا وصفت بذلك فينبغي أن يقيد بما يختص بها ، فيقال : العجائب التي أتت بها الأنبياء وخوارق العادات والمعجزات التي ظهرت على أيديهم ، أو التي لا يقدر عليها البشر ، أو لا يقدر عليها الإنس والجن ، أو التي لا يقدر عليها إلا الله ، بمعنى أنه لا يقدر عليها أحد بحيلة أو اكتساب كما يقدرون على السحر والكهانة ، فبذلك تتميز آياتهم عما ليس من آياتهم ) وقال رحمه الله تعالى
إن آيات الأنبياء هي الخوارق التي تخرق عادة جميع الثقلين فلا تكون لغير الأنبياء ولغير من شهد لهم بالنبوة ، وهذا كلام صحيح فصلنا به بين آيات الأنبياء وغيرهم بحد مطرد منعكس ، بخلاف من قال هي خرق العادة ولم يميز بينها وبين غيرها وتكلم في خرق العادة بكلام متناقض ، تارة يمنع وجود السحر والكهانة ، وتارة يجعل هذا الجنس من الآيات ولكن الفرق عدم المعارضة-إلى أن قال- وأما آيات الأنبياء التي بها تثبت نبوتهم وبها وجب على الناس الإيمان بهم فهي أمر يخص الأنبياء لا يكون للأولياء ولا لغيرهم ، بل يكون من المعجزات الخارقة للعادات ، الناقضة لعادات جميع الإنس والجن غير الأنبياء)اهـ.
فتبين مما مضى أن جعل حد المعجزة أنها الأمر الخارق للعادة فقط قصور جعل بعض المبتدعة ينكرون خوارق الأولياء وخوارق السحرة والكهنة لئلا تلبتس بزعمهم بخوارق الأنبياء إذ الجميع خرق للعادة ، وجعل آخرين يجوزون أن يكون كل خارق للعادة معجزة للنبي أو خارقاً لساحر أو كاهن، والحد الصحيح للمعجزات أن تقيد بأنها خوارق العادات التي تختص بالأنبياء ونحوه كما سبق.
الوجه الثالث: قوله (إذا اقترنت بالتحدي) وقوله(لو قدر وقوعه غير مقارن للتحدي لم يقع إلا على الوجه المعلوم في أمثاله ، فإذا وقع مقترناً بالدعوة خارقاً للعادة علم أنه لم يقع كذلك مخالفاً لما اطرد إلا والداعي صادق) وقوله (إذا رأينا جزئياً انخرقت فيه العادة على شرط ذلك دلنا على ما تدل عليه الخوارق من نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - إن اقترنت بالتحدي ، أو ولاية الولي إن لم تقترن أو اقترنت بدعوى الولاية على القول بجواز ذلك) فهذا كله على أصل الأشاعرة في نفي الحكمة وأن الله سبحانه يفعل بلا سبب بل لمحض المشيئة ، وذلك أنهم جوزوا أن تكون معجزة النبي أي خارقٍ للعادة حتى ولو كانت من خوارق السحرة والكهنة ونحوهم ،والعكس، فجوزوا أن يخرق للسحرة والكهنة ما يخرق للأنبياء ، فإذا قيل لهم : فما الفرق بين خارق النبي وغيره إذا كان جنسه واحداً ، وكيف التمييز بين هذه الخوارق؟ قالوا: يكون الخارق معجزة للنبي إذا قارنه التحدي ودعوى النبوة وعدم المعارضة ، فهذا هو الفرق بين معجزات الأنبياء وغيرهم عندهم.
وهذا باطل ، وقد سبق في الوجه الأول ذكر الحد الصحيح لمعجزات الأنبياء ، وأن آيات الأنبياء مختصة بهم لا تلتبس بغيرها ، وأن جنس معجزات الأنبياء لا يستطيع أحد من الإنس والجن أن يأتي بمثلها كانشقاق القمر ، وكجعل العصا حية تسعى والتي بسببها ألقي السحرة سجداً لعلمهم بأن هذا ليس في مقدور أحد من الإنس أو الجن ، وغيرها من الآيات ، وهذا بخلاف خوارق السحرة والكهنة فإنها من جنس مقدورات المخلوقات عموماً، وآيات الأنبياء ليس من شرطها أن يستدل بها أو يتحدى بها ، بل هي دليل على نبوته وإن خلت عن التحدي ، بل لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التحدي إلا في القرآن خاصة ، ولا نقل التحدي عن غيره من الأنبياء في الجملة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
(والجهمية المجبرة الذين قالوا إن الله قد يفعل كل ممكن مقدور ، لا ينزهونه عن فعل شئ، ويقولون إنه يفعل بلا سبب و لا حكمة ، وهو الخالق لجميع الحوادث ، لم يفرقوا بين ما تأتي به الملائكة ولا ما تأتي به الشياطين ، بل الجميع يضيفونه إلى الله على حدٍ واحد ، ليس في ذلك حسن ولا قبيح عندهم حتى يأتي الرسول ، فقبل ثبوت الرسالة لا يميزون بين شئ من الخير والشر والحسن والقبيح ، فلهذا لم يفرقوا بين آيات الأنبياء وخوارق السحرة والكهان ، بل قالوا: ما يأتي به السحرة والكهان يجوز أن يكون من آيات الأنبياء ، وما يأتي به الأنبياء يجوز أن يظهر على أيدي السحرة والكهان ، لكن إن دل على انتفاء ذلك نص أو إجماع نفوه مع أنه جائز عندهم أن يفعله الله ، لكن بالخبر علموا أنه لم يفعله ، فهؤلاء لما رأوا ما جاءت به الأنبياء وعلموا أن آياتهم تدل على صدقهم ، وعلموا ذلك إما بضرورة أو بنظر ، واحتاجوا إلى بيان دلائل النبوة على أصلهم ، كان غاية ما قالوا: إن كل شئ يمكن أن يكون آية للنبي بشرط أن يقترن بدعواه ، وبشرط أن يتحدى بالإتيان بالمثل ، فلا يعارض ، ومعنى التحدي بالمثل أن يقول لمن دعاهم : ائتوا بمثله ، وزعموا أنه إذا كان هناك سحرة وكهان وكانت معجزته من جنس ما يظهر على أيديهم من السحر والكهانة فإن الله لا بد أن يمنعهم عن فعل ما كانوا يفعلونه ، وأن من ادعى منهم النبوة فإنه يمنعه من تلك الخوارق ، أو يقيض له من يعارضه بمثلها ، فهذا غاية تحقيقهم ، وفيه من الفساد ما يطول وصفه)
وقال أيضاً
إن هؤلاء حقيقة قولهم إنه ليس للنبوة آية تختص بها، كما أن حقيقة قولهم إن الله لا يقدر أن يأتي بآية تختص بها، وأنه لو كان قادراً على ذلك لم يلزمه أن يفعله ، بل ولم يفعله ، فهذان أمران متعلقان بالرب ،إذ هو عندهم لا يقدر أن يفعل شيئاً لشئ، والآية إنما تكون آية إذا فعلها لتدل ولو قدر أنه قادر فهم يجوزون عليه فعل كل شئ فيمكن أنه لم يجعل على صدق النبي دليلا ، وأما الذي ذكرناه عنهم هنا فإنه يقتضي أنه لا دليل عندهم على نبوة النبي ، بل كل ما قدر دليلاً فإنه يمكن وقوعه مع عدم النبوة فلا يكون دليلاً ، فهم هناك حقيقة قولهم :إنا لا نعلم على النبوة دليلاً ، وهناحقيقة قولهم إنه لا دليل على النبوة ، ولهذا كان كلامهم في هذا منتهاه إلى التعطيل)اهـ.
الوجه الرابع: قوله( حصل العلم بتصديقه اضطراراً) فهذا الكلام اتبع فيه الجويني وغيره ، وذلك بناءً على أصلهم –والذي سبق ذكره مراراً-بتجويز أن يفعل الله كل شئ ، وأن خوارق الأنبياء والسحرة والكهان جنسها واحد ، فأرادوا التفريق بين ما يظهر من النبي والمتنبي فقالوا بأنه يحصل العلم الضروري عند حدوث المعجزة على يد النبي ، مع أن هذا يستلزم بطلان ما أصلوه من أن الله سبحانه لا يخلق شيئاً لشئ ونفيهم للحكمة والسببية.
أما حصول العلم الضروري عند وقوع المعجزات فقد يقع ، وقد يحصل العلم بالنظر والاستدلال ولا يقع ضرورة ، بحسب المعجزة ، وبحسب الناظر فيها ، فإن الناس يختلفون في الإدراك، فمنهم من يحصل له العلم الضروري لعلمه بلوازمها علماً بيناً لا يحتاج فيه إلى استدلال ، ومنهم من يحتاج إلى النظر والاستدلال ليتبين له ذلك، والله تعالى أعلم.
المبحث الثاني
"كلامه في الميزان"
قال في (الاعتصام) 2/842:(الميزان يمكن إثباته ميزاناً صحيحاً على ما يليق بالدار الآخرة وتوزن فيه الأعمال على وجهٍ غير عادي ، نعم يقر العقل بأن أنفس الأعراض وهي الأعمال لا توزن وزن الموزونات عندنا في العادات وهي الأجسام ، ولم يأت في النقل ما يعين أنه كميزاننا من كل وجه ، أو أنه عبارة عن الثقل أو أنفس الأعمال توزن بعينها ، فالأخلق الحمل إما على التأويل ، وإما على التسليم ، وهذه الأخيرة طريقة الصحابة -ثم قال- فإن قيل : فالتأويل إذاً خارج عن طريقتهم ، فأصحاب التأويل على هذا من الفرق الخارجة ، قيل : لا ، لأن الأصل في ذلك التصديق بما جاء التسليم محضاً، أو مع التأويل نظر لا يبعد ، إذ قد يحتاج إليه في بعض المواضع).
قلت:والكلام على هذا من وجوه:
الوجه الأول: أنه هنا سوّغ ما سماه (التأويل) للميزان –بمعنى إنكار أن يكون ميزاناً حسياً توزن فيه الأعمال يوم القيامة- وهو خلاف ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة ، وخلاف ما ذهب إليه الأشاعرة متقدموهم ومتأخروهم، بل وخلاف ما ذهب إليه المعتزلة البصريون ، فإن تأويل الميزان هو قول البغداديين من المعتزلة دون البصريين، والبغداديون أعظم ابتداعاً وأشد غلواً من البصريين.
وقد روى حنبل بن إسحاق رحمه الله تعالى في كتاب (السنة) عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى أنه قال رداً على من أنكر الميزان ما معناه ( قال الله تعالى(ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الميزان يوم القيامة ، فمن رد على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد رد على الله عز وجل.
الوجه الثاني: أن قوله (ولم يأت في النقل أنه كميزاننا من كل وجه) إن أراد به أنه ليس كميزاننا هذا في حقيقته وكيفيته ومقداره ونحو ذلك فهذا صحيح ، فإن هذا من علم الغيب ، ولا يعلم حقيقته وكيفيته إلا الله سبحانه ، وإن أراد بذلك نفي أن يكون له كفتان حسيتان مشاهدتان فإن هذا غير صحيح ، بل ورد في النقل ما يثبت ذلك ، فقد روى أحمد والترمذي وغيرهما عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
إن الله عز وجل يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً ، كل سجل مد البصر ، ثم يقول له : أتنكر من هذا شيئاً ، أظلمتك كتبتي الحافظون؟ قال : لا يا رب ، فيقول: ألك عذر أو حسنة؟ فيبهت الرجل ، ويقول: لا يا رب ، فيقول : بلى ، إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم اليوم عليك ، فتخرج بطاقة فيها (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله) فيقول : أحضروه، فيقول: يا رب هذه البطاقة مع هذه السجلات ، فيقال : إنك لا تظلم ، قال: فتوضع السجلات في كفة ، قال : فطاشت السجلات وثقلت البطاقة) وفي رواية(فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة) ، وروى اللالكائي والآجري وغيرهما من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي عثمان النهدي عن سلمان - رضي الله عنه - أنه قال(يوضع الميزان وله كفتان)، وغيرها من النصوص.
الوجه الثالث: أن قوله (أو أنه عبارة عن الثقل-يعني لم يأت في النقل-) غير صحيح ، بل ورد ما يدل على ذلك ، ومن ذلك حديث البطاقة السابق وفيه (وثقلت البطاقة) ، ومنه ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( كلمتان خفيفتان على اللسان ، حبيبتان إلى الرحمن ، ثقيلتان في الميزان ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ) ، ومنه ما رواه أحمد والترمذي وأبو داود وغيرهم عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (ما من شئ أثقل في ميزان المؤمن من الخلق الحسن) وغيرها.
الوجه الرابع: أن قوله ( أو أنفس الأعمال توزن بعينها) فغير صحيح أيضاً فقد ورد أن الأعمال نفسها توزن ، كالحديثين السابقين في الكلمتين الثقيلتين في الميزان وفي الخلق الحسن ، ومنه ما رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (الطهور شطر الميزان ، والحمد لله تملأ الميزان) .
وقد وردت أحاديث تدل على أن الأعمال نفسها توزن كهذه الأحاديث ، ووردت أحاديث تدل على أن صحائف الأعمال توزن كحديث البطاقة السابق ، ووردت أحاديث تدل على أن صاحب العمل يوزن أيضاً كما روى أحمد وغيره عن علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن ساقي عبدالله ابن مسعود – وكانتا دقيقتين- (والذي نفسي بيده هما في الميزان أثقل من أحد) ، ولا مانع يمنع من أن يكون الوزن للجميع كما دلت عليه هذه النصوص ، والله تعالى أعلم.
الوجه الخامس : أن قوله (فإن قيل فالتأويل إذاً خارج عن طريقتهم –يعني طريقة الصحابة- قيل: لا) لا يصح ، بل هو مخالف لطريقتهم أشد المخالفة ، ومخالف لما دل عليه الكتاب ودلت عليه السنة والأحاديث الصحيحة ، وأجمع على ذلك أهل السنة والجماعة، ولم يذهب إلى تأويل ذلك وإنكاره إلا غلاة المبتدعة .
قال ابن أبي العز رحمه الله تعالى:
( فثبت وزن الأعمال والعامل وصحائف الأعمال ، وثبت أن الميزان له كفتان ، والله تعالى أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات ، فعلينا الإيمان بالغيب كما أخبرنا الصادق - صلى الله عليه وسلم - من غير زيادة ولا نقصان ، و يا خيبة من ينفي وضع الموازين القسط ليوم القيامة كما أخبر الشارع لخفاء الحكمة عليه، ويقدح في النصوص بقوله: لا يحتاج إلى الميزان إلا البقّال والفوّال!! وما أحراه أن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزناً )اهـ.
المبحث الثالث
"كلامه في الأخبار"
1-قال في (الموافقات) 1/27:(ووجود القطع فيها –أي في الأدلة الشرعية- على الاستعمال المشهور معدوم ، أو في غاية الندور ، أعني في آحاد الأدلة ، فإنها إن كانت من أخبار الآحاد فعدم إفادتها القطع ظاهر ، وإن كانت متواترة فإفادتها القطع موقوفة على مقدمات جميعها أو غالبها ظني ، والموقوف على الظني لا بد أن يكون ظنياً ، فإنها تتوقف على : نقل اللغات وآراء النحو ، وعدم الاشتراك ، وعدم المجاز والنقل الشرعي أو العادي والإضمار والتخصيص للعموم والتقييد للمطلق، وعدم الناسخ والتقديم والتأخير والمعارض العقلي ،وإفادة القطع مع اعتبار هذه الأمور متعذر ، وقد اعتصم من يقول بوجودها بأنها ظنية في أنفسها لكن إذا اقترنت بها قرائن مشاهدة أو منقولة فقد تفيد اليقين ، وهذا كله نادر أو متعذر).
2-وقال في (الموافقات) 2/79-80:(إن المتمسك بالدلائل النقلية إذا كانت متواترة موقوف على مقدمات عشر كل واحدة منها ظنية ، والموقوف على الظني لا بد أن يكون ظنياً، فإنها تتوقف على : نقل اللغات وآراء النحو ، وعدم الاشتراك ، وعدم المجاز ، وعدم النقل الشرعي أو العادي، وعدم الإضمار ، وعدم التخصيص للعموم ، وعدم التقييد للمطلق ، وعدم الناسخ، وعدم التقديم والتأخير ، وعدم المعارض العقلي ، وجميع ذلك أمور ظنية).
3-وقال في (الموافقات)3/310:( والأدلة التي يتلقى معناها من الألفاظ لا تتخلص إلا أن تسلم من القوادح العشرة المذكورة في أول الكتاب ، وذلك عسير جداً).
قلت:
وهذا القول هو قول المبتدعة ، وقد تزعم القول بذلك رأس الأشاعرة ومتكلمهم (الرازي)، وذكر بعض المتكلمين أنه مذهب المعتزلة وجمهور الأشاعرة، بل قال في ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى
فتجد أبا عبد الله الرازي يطعن في دلالة الأدلة اللفظية على اليقين، وفي إفادة الأخبار للعلم، وهذان هما مقدمتا الزندقة) وذكر في موضع آخر أنها من قواعد الإلحاد، وقال في هذا أيضاً: (ولا ريب أن هذا عمدة كل زنديق ومنافق يبطل العلم بما بعث الله به رسوله ،تارة يقول : لا نعلم أنهم قالوا ذلك، وتارة يقول : لا نعلم ما أراده بهذا القول، ومتى انتفى العلم بقولهم أو بمعناه لم يستفد من جهتهم علم ، فيتمكن بعد ذلك أن يقول ما يقول من المقالات وقد أمن على نفسه أن يعارض بآثار الأنبياء، لأنه قد وكل ثغرها بذينك الدامحين الدافعين لجنود الرسول عنه ، الطاعنين لمن احتج بها. وهذا القدر بعينه هو عين الطعن في نفس النبوة ، وإن كان يقر بتعظيمهم وكمالهم إقرار من لا يتلقى من جهتهم علماً ، فيكون الرسول عنده بمنزلة خليفة يعطى السكة والخطبة رسماً ولفظاً ، كتابة وقولاً ، من غير أن يكون له أمر أو نهي مطاع ، فله صورة الإمامة بما جعل له من السكة والخطبة، وليس له حقيقتها)اهـ.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
(الفصل الرابع والعشرون : في ذكر الطواغيت الأربع التي هدم بها أصحاب التأويل الباطل معاقل الدين ، وانتهكوا بها حرمة القرآن ، ومحو بها رسوم الإيمان) ثم قال(وهذه الطواغيت الأربع: هي التي فعلت بالإسلام ما فعلت ، وهي التي محت رسومه ، وأزالت معالمه ، وهدمت قواعده ، وأسقطت حرمة النصوص من القلوب ، ونهجت الطعن فيها لكل زنديق وملحد ، فلا يحتج عليه المحتج بحجة من كتاب الله أو سنة رسوله إلا لجأ إلى طاغوت من هذه الطواغيت واعتصم به ، واتخذه جنة يصد به عن سبيل الله ، والله تعالى بحوله وقوته ومنه وفضله قد كسر هذه الطواغيت طاغوتاً طاغوتاً ، على ألسنة خلفاء رسله وورثة أنبيائه ، فلم يزل أنصار الله ورسوله يصيحون بأهلها من أقطار الأرض ، ويرجمونهم بشهب الوحي ، وأدلة المعقول ، ونحن نفرد الكلام عليها طاغوتاً طاغوتاً) ثم قال
الطاغوت الأول : قولهم نصوص الوحي أدلة لفظية وهي لا تفيد اليقين ، قال متكلمهم-ويعني به الرازي وتبعه الشاطبي هنا-: مسألة الدليل اللفظي لا يفيد اليقين إلا عند تيقن أمور عشرة : عصمة رواة تلك الألفاظ ، وإعرابها وتصريفها ، وعدم الاشتراك والمجاز والنقل والتخصيص بالأشخاص والأمكنة ، وعدم الإضمار والتقديم والتأخير والنسخ ، وعدم المعارض العقلي الذي لو كان لرجح عليه ، إذ ترجيح النقل على العقل يقتضي القدح في العقل المستلزم للقدح في النقل لافتقاره إليه ،فإذا كان المنتج ظنياً فما ظنك بالنتيجة؟) ثم بدأ في كسر هذا الطاغوت ونقضه في أكثر من سبعين وجهاً رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام وأهله خير الجزاء.
وقال رحمه الله في موضع آخر:
(الواجب حمل كلام الله تعالى ورسوله وحمل كلام المكلف على ظاهره الذي هو ظاهره ، وهو الذي يقصد من اللفظ عند التخاطب ، ولا يتم التفهيم والفهم إلا بذلك ، ومدعي غير ذلك على المتكلم والقاصد للبيان والتفهيم كاذب عليه ، قال الشافعي :"وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ظاهره بت" ، ومن ادعى أنه لا طريق لنا إلى اليقين بمراد المتكلم لأن العلم بمراده موقوف على العلم بانتفاء عشرة أشياء فهو ملبوس عليه ، ملبِّس على الناس ، فإن هذا لو صح لم يحصل لأحد العلم بكلام المتكلم قط ، وبطلت فائدة التخاطب ، وانتفت خاصية الإنسان ، وصار الإنسان كالبهائم بل أسوأ حالاً ، ولما عُلِمَ غرض هذا المصنف من تصنيفه ، وهذا باطل بضرورة الحس والعقل ، وبطلانه من أكثر من ثلاثين وجهاً مذكورة في غير هذا الموضع)اهـ.
يتبع........................