علي الحلبي
كتبه
أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة
المصري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا علي الظالمين، والصلاة والسلام علي خاتم النبيين، محمد النبي الأمين، وعلي آله الغر الميامين، ورضي الله عن الصحب أجمعين، ومن اتبعهم بإحسان إلي يوم الدين أما بعد.
فقد أرسل إليّ أحد إخواننا منذ شهر( ) أو أكثر مقاطع صوتية لعلي بن حسن بن عبد الحميد الحلبي، يجيب فيها علي أسئلة تتعلق بأناس قد تكلم فيهم أهل العلم من أمثال الحويني والمغراوي والقوصي وابن حسان ومشهور، وجرحوهم وفرغوا منهم، فانبري الحلبي للدفاع عن هؤلاء جميعًا بجهل وهوي وإن رغمت أنوف أهل العلم حيث نصب نفسه مدافعًا ومحاميًا عن هؤلاء، وقد وقع في مذهب الموازنات، وإن أنكر ذلك، وهذا من تلبيسه.
كما وقع في قاعدة حمل المجمل علي المفصل التي أنكرها أهل العلم في غير كلام الله وكلام رسوله وإن لم يصرح هو بذلك، إلي غير ذلك من مسالك أهل التلبيس، بما لا يسع المنصف إلا أن يلحقه بركب من دافع عنهم، والمرء مع من أحب، ولا نملك إلا ذلك، وتشدقه بأنه علي طريقة العلماء الكبار كابن باز والألباني، وتذرعه بذلك لتسويغه وتجويزه مخالفة هؤلاء العلماء الذين جرحوا هؤلاء الذين يزكيهم.
أقول: إن تشدقه وتذرعه بذلك لا ينفعه؛ لأن طريقة العلماء الذين تذرع بهم هي الكلام في أهل الأهواء والبدع من غير محاماة عنهم ولاذب عنهم ولا ثناء عليهم، وشأنهم تعظيم حرمات الله -عز وجل- وتعظيم شعائره، فدعواه أنه علي طريقة العلماء الكبار دعوى عريضة كاذبة، وهل يكون علي طريقة الألباني -مثلا – من يخالف- بغير حق – مَنْ قال فيه الألباني -رحمه الله-:
"حامل راية الجرح والتعديل وبحق في هذا العصر" ألا وهو الشيخ ربيع حفظه الله – فضلا عن أن يخالف أهل العلم جميعهم الذين وافقوا الشيخ ربيعًا في هذا ؟!
سارت مشرقة وسرت مغربا شتان بين مشرق ومغرب
إن هذا التشدق منك قد أبان عن تلبيسك وكذبك في تشدقك هذا.
ولا شك في أن صنيع الحلبي هذا، بتزكيته من جرحه أهل العلم كفيل بهدم وبنسف جهود أهل العلم الذين ردوا على هؤلاء المخالفين، وهذا ما يأباه السلفيون ومالا يسعهم الصبر عليه.
والخلاصة أن الحلبي صاحب هوى، لا يكاد يذهب أهل العلم في مخالف من أدعياء السلفية مذهبًا إلا وذهب غير مذهبهم وسلك فجًا غير فجهم، مع أنه ليس متأهلاً لأن يعتبر ويعتد بوفاقه لهؤلاء العلماء فضلا عن أن يعتد بخلافه لأحدهم فضلا عن جميعهم، وهذا مما لا تتسع له صدور أهل الأهواء والجهلة ومما تضيق به صدروهم، فقد حفرت قبرك لنفسك أيها الحلبي، فاذهب كما ذهب غيرك من أشباهك وأمثالك ونظرائك غير مأسوف عليك ولا عليهم، وليتك اعتبرت بغيرك، ولكن الاعتبار إنما هو لمثل من قال الله فيهم:
{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}
ومن كان ذا بصر لا يبصر به الحق ولا يراه حقا، ولا يبصر به الباطل ولا يراه باطلا فهو أعمى القلب، قال تعالى:
{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}
وإن تعجب فعجب دفاع الحلبي عن مشهور حسن سلمان الذي تُكلم فيه بخصوص أشياء منهجية كثيرة بما لا يخرجه عن دائرة أهل الأهواء من أدعياء السلفية الذين يسلكون مسلك الكذب والتلبيس والثناء علي أهل الأهواء، والدفاع عنهم والمحاماة عنهم، والوقيعة في أهل العلم، شأنه في ذلك شأن الحلبي، فكلاهما شر من الأخر.
وليُعلم أني قد غسلت يدي من الحلبي من دهر، فقد عرض علي أحد إخواننا الأماجد منذ نحو ثلاث سنوات أو تزيد، عرض عليّ الذهاب معه للقاء الحلبي في القاهرة في ليلة من ليالي معرض القاهرة الدولي للكتاب، وذلك لمناقشة الحلبي في بعض الأمور وإبانتها له كأمر القوصي مثلاً، فرجحت عدم الذهاب إذ عافت نفسي لقياه بسبب ما كنت أسمعه عنه من موقفه من أبي الحسن المصري الزائغ نزيل مأرب.
ذلك لأن المأربي قد أرهق أهل العلم برد بدعه وضلالاته وتقعيداته الفاسدة وتأصيلاته الباطلة الكاسدة، ومع ذلك لم نعلم عنه التوبة والإصلاح والبيان، فصار المأربي ومن علي شاكلته محنة يمتحن بها السني من البدعي، فمن أثنى عليه، أي: علي المأربي، وحكم عليه بأنه من أهل السنة والجماعة أو بأنه سلفي وذهب مذهبه ألحق به في الضلال والبدعة ولا كرامة، كما أن ربيعًا المدخلي وغيره من العلماء صاروا محنة يمتحن بها السني من البدعي، فمن ذم ربيعًا ومن علي شاكلته فهو مبتدع ولا كرامة.
وقد كنت أقول قبلُ في أهل الشام هؤلاء الذين يخالفون في أمر أبي الحسن: هم طلبة علم ليسوا علماء أو لا يَعْدُون أن يكونوا طلبة علم، أي: ليسوا متأهلين لمخالفة أهل العلم، ثم سمعت الشيخ محمد بن عمر بازمول يصفهم بأنهم طلبة علم، أي: ليسوا علماء بدليل سياق كلامه المسموع، إذ كان بصدد إنكاره عليهم مخالفتهم للعلماء في حكمهم علي بعض المخالفين( )، وأنا اليوم وبعد أن سمعت تلك المقاطع الصوتية، وقرأت ما يأتي ذكره أقول:
لا يحسن أن يقال فيهم طلبة علم، فما هم فيه وما هم عليه مما سبق ذكره ليس من العلم في شيء، ولا يمت إلي طلب العلم بصلة؛ ذلك لأن طالب العلم إنما يأخذ العلم من أهله، فكيف يكون طالبَ علمٍ من خالف أهله؟!
وهل يكون من أهل العلم من يتحامل علي السلفيين -كعلي الحلبي- ويذمهم، ويزعم في بعض المواضع أنه لا يقصد المشايخ ؟!
فليُضف هذا إلى جراب الكذب والتلبيس عند الحلبي.
أليس منهج العلماء وطلبة العلم واحدًا ؟! فما معنى هذا التفريق بين طلبة العلم والعلماء؟!
إن التمويه والتلبيس لا يروجان علينا.
أظنك يا حلبي اليوم في مقام لا تحسد عليه ولا يغبطك عليه السلفيون.
إن من أراد أن ينتحر وينحر نفسه بنفسه، فليقع في طلبة العلم والعلماء، وليثن على أهل الأهواء وليحامِ عنهم، ولا إخالك أنت ولا مشهورًا ولا من كان على شاكلتكما تتركون وتدَعون التنكب والزيغ عن مذهب السلف -إلا أن يشاء ربي شيئًا- وإلا، فخيبوا ظني وقوموا قومة رجل واحد، وذبوا عن أهل العلم وأحكامهم، وهبوا في وجوه أهل البدع عن بكرة أبيكم حتى يعرف الناس مِن علماء وطلبة علم وغيرهم أنكم سلفيون غيورون علي مذهب السلف من أن تناله يد عابث.
أما تواضعك في كلامك الذي قلت فيه:
"ونحن نجل الشيخ أحمد النجمي -حفظه الله- ونسأل الله حسن العمل وطول العمر وحسن الختام لنا وله وللمسلمين أجمعين، وإن شاء الله تكون بيننا وبين فضيلة الشيخ كلمات من الولد لوالده، والتلميذ لشيخه تظهر فيها الأمور بصورتها الأصلية، وهذا إن شاء الله يعني من مقتضى حسن ظن أبناء الشيخ وتلاميذه به ..." إلى آخره، فتواضع كاذب، ولو كنت صادقًا لسلكت مسلكه، وتركت المحاماة عن أهل الأهواء، فهاهو النجمي قد مات -رحمه الله- ودفن، ولكن لم يدفن معه كلامه فيمن تدافع عنه، وتذم السلفيين لأجلهم، وتعلنها حربًا شعواء عليهم في أجوبتك علي أسئلة السائلين الذين تضلهم، أو تثبتهم على الضلال.
ألم تقل لمخاطبك -عبر الهاتف فيما يظهر- الذي ذكر لك كلامًا عن الشيخ ربيع بخصوص أمر من تكلم في المفتي -مفتي بلاد الحرمين حفظه الله-:
"والله هذه الفتنة أن نكيل بمكيالين وأن نزن بميزانين؟!" قاصدًا الشيخ ربيعًا بدلالة السياق، وكلامك بصوتك عندي.
إن مثل هذا يؤكد كذبك في دعواك في بعض المواضع من كلامك بأنك لا تقصد العلماء.
وهل السلفيون يصدرون إلا عن كلام علمائهم ؟!
حقًا، إن الأهواء تتجارى بأصحابها كما يتجارى الكلب بصاحبه.
هذا، ولقد سودت بعض ما كتبته هنا علي إثر سماعي لتلك المقاطع الحلبية، كان فيها خلاصة موجزة في الكلام على الحلبي ومشهور، فمن شاء التوسع والوقوف علي كلام الحلبي ومشهور فعليه بسماع تلك المقاطع الصوتية بصوت الحلبي وصوت سائليه، وعليه بما كتب من الردود عليهما.
أما ما علق به الشيخ عبد العزيز البرعي على مقال الشيخ بازمول( ) حيث قال:
"لا إشكال في جودة كلام الشيخ بازمول، ولكن كي لا نكون مقلدين له فنرجو كتابة كل شيء انتقده ثم يكتب الرد عليه ..."
فمما لا وجه له بل فيه من التناقض ما فيه، ذلك لأن الشيخ أحمد بازمول إما أن يكون ثقة عنده وإما أن لا يكون، فإن لم يكن ثقة عنده -وهو ما أستبعده- فهو يناقض وصفه كلام الشيخ بازمول بأنه: "لا إشكال في جودته" .
واما أن يكون ثقة عنده، فيجب بناءً على ذلك قبول خبر الثقة، خاصة إذا كان جرحه للحلبي مفسرًا، ويكون قبول كلام الشيخ بازمول -حفظه الله- من باب قبول خبر الثقة لا من باب التقليد في شيء.
وأما تعليله لدفع التقليد له بقوله: "نرجو كتابة كل شيء انتقده ثم يكتب الرد عليه والحق أحق أن يتبع ..."
فهو تعليل عليل، وتعطيل لوجوب قبول خبر الثقات العدول، فإن كان لا يُخرجنا من التقليد قبولُ ما كتبه الشيخ بازمول هنا، فلن يخرجنا من التقليد كتابته كل شيء انتقده ثم كتابة الرد عليه، وهذا واضح للمتأمل، ومن فرق في هذا فعليه البرهان، اللهم إلا أن يكون الحلبي قد ثبتت عدالته وتوثيقه بيقين عند الشيخ البرعي، ويكون ما ذكره الشيخ بازمول جرحًا مجملاً عنده، وعليه يجب عنده تقديم التعديل على الجرح في هذه الصورة فيكون علي هذا جوابان:
الأول: أن الجرح في كلام الشيخ بازمول مفسر.
الثاني: أنه لا يستقيم هذا مع وصفه كلام الشيخ بازمول بأنه لا إشكال في جودته، حيث إن هذا الوصف يقتضي قبول كلامه وصحته، وأن البرهان قائم على جودته وصحته، وإلا لما كان لوصفه كلامه بالجودة معنى، وهذا –أيضًا- واضح للمتأمل، فإذا ثبتت جودة كلامه، اقتضى ذلك قيام الدليل عليه، وهذا يوجب قبول خبره ، ولا يسمى ذلك حينئذ تقليدًا، ولا يكون قابله مقلدًا، إذ التقليد هو قبول قول من ليس بحجة بلا حجة.
إذا علمت ما سبق فاعلم أنه لا يجب وجوبًا مطلقًا كتابةُ كل شيء منتقد على أحد، ولا كتابة الرد عليه بعلة الخروج من التقليد ولا غيره، إذ قد يكفي ويغني حكاية بعض الكلام الفاسد الواضح الفساد عن ذكره كله حيث كان وضوح فساده وبطلانه وكفايته في معرفة حال صاحبه مغنيًا عن ذكره كله، فليس كل ما يُعلم يقال، مادامت المصلحة متحققة، والمفسدة منتفية بذكر بعضه، كما قد يكفي حكاية قول المبطل -قل أو كثر- دون رد أو تعليق عليه إذا كان واضح البطلان، وأمنت الفتنة به، وها أنت ترى الشيخ بازمول –-حفظه الله- قد أتى على مقاصد الحلبي العظمى في كتابه فأجمل في هذا وأحسن، إذ إنه بالوقوف على بعض هذه المآخذ السبعة التي ذكرها الشيخ بازمول -فضلاً عن جميعها- يعرف اللبيب حقيقة الحلبي وحقيقة مذهبه.
هذا، ومما ينبغي التنبيه عليه ها هنا هو أن القرائن المُحْتَفّة بخبر الثقة تزيده توثيقًا، وقد احتف بخبر الشيخ بازمول عن كتاب الحلبي وما ضمنه إياه قرائن كثيرة -سأترك ذكرها للبيب، واستنباطها للأريب- تؤكد الثقة بصحة وصدق ما ذهب إليه من الطعن على الحلبي، والتحذير من كتابه، فأف للحلبي ولكتابه، وأف لسائر القوم الذين يَنكِصون على أعقابهم، ويُنكَسون علي رءوسهم على كبر، وإن كنت أستبعد كون أمثال هؤلاء الزائغين كانوا علي جادة المذهب السلفي من قبل -نعوذ بالله من الخذلان- ورحم الله الإمام البخاري حيث روى بسنده عن حذيفة قال: ((يا معشر القراء استقيموا فقد سَبقتم سبقًا بعيدًا، فإن أخذتم يمينًا وشمالاً، لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا))
( صحيح البخاري ، كتاب الاعتصام ، برقم ( 7282).
لقد أزرى الحلبي بنفسه، شأنه في ذلك شأن من ينتقص أهل العلم ويحمل علي السلفيين.
إن الأمور السبعة التي ذكرها الشيخ بازمول في مقاله لكفيلة بحشر الحلبي في زمرة رءوس أهل الأهواء، خصوصًا وصفه لهم بأوصاف قبيحة هي به أليق، وهو بها أولي.
تلك الأوصاف التي تدل على خبث قائلها وفجوره وكذبه، نعم، لقد أفصح الحلبي عن نفسه، وأبان عن سوأته وكفى السلفيين قتله لنفسه ونحرها وجزرها، فأف لك ثم أف لك، ثم أف لك يا قاتل نفسه.
وبعد، فهذه وقفات موجزة مع كلام الشيخ بازمول في علي الحلبي فأقول:
أما كون الحلبي يؤصل ويقعد قواعد على خلاف منهج السلف الصالح في التعامل مع أهل البدع والأهواء، فإنه يدل على جهله واتباعه للهوى، أما طعنه في علماء السلفية فهذا ديدن أهل البدع قديمًا وحديثًا، وأما أسلوبه الماكر في ذلك حيث لم يذكرهم بأسمائهم ولكن ذكر أمورًا يعرف كل سلفي أنها لهم وأخذ يفسرها ويهول فيها على خلاف الحق، فيكفينا في الرد عليه قوله تعالي:
{ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم}
وأما ثناؤه وتمجيده لأهل البدع فيكفينا في الرد عليه قوله –تعالى-:
{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}
وقوله -تعالى- عن بني إسرائيل:
{وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ...}
وقد قيل: أعط أخاك تمرة، فإن أبى فأعطه جمرة.
وأما كونه يصفهم بالموحدين على قاعدة عدم التلازم بين المنهج والعقيدة فهذا من الإفلاس في العلم، ومن عاقبة الإعراض عن العلم وأهله، ومن جنس القول على الله وفي دين الله بغير علم، ومن جنس اتباع الهوى، بل من الجهل بالمسلمات والبدهيات، إذ إن من فسد منهجه لزم منه فساد اعتقاده، ومن فسد اعتقاده لزم منه فساد منهجه( ).
وأما كونه يصفهم بالموحدين فهذا من جهله، وكلال نظره، وسقم منهجه، حيث إن البدعة لا توحد ولا تجمع، وإنما شأنها التفريق بخلاف السنة، فإنها تجمع ولا تفرق، وأهل السنة هم الجماعة، وأهل البدعة يُجَمّعون بباطل، وقد قلت في قصيدة:
القطف الينيع في الثناء علي الشيخ ربيع:
لا خير في بدع تُوَحِّدُ بيننا إنْ فَرَّقَتْ سُننُ النبيِّ محمدِ
سلفـيةٌ سلفـيةٌ سلفـيةٌ رغم العداوةِ من ألدَّ وأَلْوَدِ
فالسنة تجمع وتفرق باعتبار أنها لا تقبل إلا السنة وأهلها، دون الأهواء وأهلها، فتجمع أهل السنة وتميزهم عن أهل البدعة.
والبدعة تجمع وتفرق باعتبار أنها لا تقبل السنة وأهلها، وتجمع البدعة وأهلها، لكن اجتماع أهل السنة وميزهم عن غيرهم إنما يكون علي هدى.
أما اجتماع أهل الأهواء فإنما يكون على ضلال، على أن أهل الأهواء مختلفون فيما بينهم في حقيقة الأمر، فاجتماعهم -إن اجتمعوا- إنما هو اجتماع أبدان لا اجتماع قلوب، واختلافهم راجع إلى اختلاف أهوائهم، وصدق الله إذ قال في القرآن:
{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}
وأما دفاعه عن جمعية إحياء التراث وجمعية البر بدبي دفاعًا مستميتًا فلا يستغرب من مثله مع دفاعه عن أهل الأهواء.
أقول: فلا يستغرب استماتته في الدفاع عنهما، فالأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، ولا بارك الله في هاتين الجمعيتين ولا في غيرهما من الجمعيات التي تعبث في الأرض مُفسدة ومضلة لمن شاء الله له الضلال وصادّة عن سبيل الله -سبحانه- سبيل الكتاب والسنة بفهم سلف هذه الأمة.
وأما وصفه للشباب السلفي في هذا الكتاب وفي غيره بأوصاف لم يصفهم بها أهل البدع والأهواء وتنزيله عليهم الوصف بأقبح البهائم، وبأنهم "مصاصوا" (كذا في المنشور علي شبكة سحاب دماء)، وبأنهم كالذباب، وبأنهم ينامون علي المخاصمة، ويسهرون عليها، ويحلمون بها، ويقومون عليها! بل (يكادون) أن يكونوا ليس عندهم همٌ إلا التبديع، والتشنيع، والتفظيع !!
فيجاب عليه بأنه لاشك أن الشباب السلفي قد أرّق أهل الأهواء وأقضّ مضاجعهم بحيث لا يهنأون في ليلهم ولا نهارهم، وهم في هذا يقومون بما أوجب الله عليهم من البيان والنصح والحذر من الأهواء والتحذير منها ومن أهلها قدر طاقتهم ووسعهم، وهم سائرون في ذلك بسير علمائهم -ولله الحمد- فهم قائمون مع علمائهم بحراسة هذا الدين والذب عنه، ولما كان هذا الصنيع من هذا الشباب لا يروق أهل الأهواء ولا يعجبهم فما كان منهم إلا كيل السباب والشتائم لهم والكذب عليهم، وهذا عكاز العاجز عن الإدلاء بالحجة، فمثل هذا السباب والشتائم لا يعجز عنه أحد، غير أن أهل السنة لو سَبوا سبوا بحق ولو شَتموا شتموا بحق، بخلاف البغاة المعتدين المعاندين الهوويين الدنيويين الجاهلين الأفاكين الكذابين المتعالمين المتهوكين الحيارى المتقولين على شرع الله وعلى دينه ما لم ينزل به سلطانًا.
وأما ما اشتمل عليه الكتاب من دسائس خبيثة يحاول فيها مسوده -سود الله وجوه أهل البدع- ضرب السلفيين بعضهم ببعض، وضرب السلفيين بولاة أمرهم، فيقال فيه:
إن السلفيين ليسوا أصحاب فتن، وهم صابرون على أذى الظلمة والجورة من أمثال الحلبي وغيره من أهل الأهواء، ويعلمون أن عاقبة صبرهم إلي الله خير ونصر وعز وتمكين، إلا أن يكون أهل الأهواء -أخزاهم الله- يريدون فتنة( ) -معاذ الله- فليتحملوا عواقبها، وليعلموا أن السلفيين أبعد الناس عن الخوض في الفتن وبراء من أصحاب الفتن -أعاذنا الله منها ومنهم-.
وأما ضرب السلفيين بولاة أمرهم فيقال فيه:
إن السلفيين هم أدرى الناس بحقوق ولاة الأمور عليهم، وأعظم الناس تأمينًا للمجتمعات، ونصيحة لولاة أمورهم بما فيه مصالح المسلمين الدينية والدنيوية، فإن أصابهم شيء من قبل السلطان فأمامهم باب الصبر والاحتساب، لا كما يفعل البغاة والخوارج.
وصنيع الحلبي هذا يدل على خَوَره وعجزه بل احتراقه، ولا بارك الله فيه ولا فيمن سلك سبيل إبليس في التحريش، ووقى السلفيين شره وشر أمثاله.
وليعلم الحلبي ونظراؤه أن السلفيين لا يعبأون بأصحاب مثل تلك الجعاجع والقعاقع والفراقعِ، رد الله كيدك في نحرك يا حلبي، وأخزاك كما أخزى آخرين، لن ترعبنا برعدك وبرقك يأيها المحترق فأقلل أو أكثر، خيب الله سعيك في الفتنة، ولا شكر لك، أطفأ فتنتك ورجعت موزورًا لا مشكورًا.
على أن الأمور تتجلي لولاة الأمور الناصحين شيئًا بعد شيء، ووقتًا بعد وقت إن شاء الله، وليسوا -إن شاء الله- ألعوبة في يدي الحلبي يلعب بهم كيف يشاء، ألا فلتخسأ يا عدو نفسه.
وأما ما اشتمل عليه الكتاب من شدته علي السلفيين ، وخنوعه وتماوته ورحمته وشفقته علي أهل البدع والأهواء فأقول فيه:
أنا لا أعرف عن الحلبي خلاف هذا، بل الذي أعرفه عنه يؤكد ذلك وشأنه كما قيل:
أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تهرب من صفير الصافر
وأعلمك يا حلبي أنه كلما ازداد بغيك وبغي أمثالك علي السلفيين المستضعفيين كان النصر حليفهم، إذ كانوا ينصرون دين الله -عز وجل- وينصرون أتباعه في كل مكان، وقد قال -تعالي-:
{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}
وقال: { ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}
وقال: { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
وقال: { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
وقال : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * ِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}
وقال: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
وقال: { وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}
وقال: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}
إن السلفيين وإن كانوا يحسون بآلام ومشقات هذه العقبات والمكاره إلا أنهم سعداء بدين الإسلام، واستنانهم بسنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وسلوكهم سبيل السلف الكرام ومن تبعهم بإحسان على مر الليالي والأيام، سعادة غامرة لا يعدلون بها شيئًا من حطام الدنيا -ولو كثر-.
فالحمد لله الذي فتح لهم باب جهاد كبير ألا وهو جهاد أهل الأهواء بالحجة والبرهان لينالوا بذلك رفيع الدرجات، فإنه -سبحانه- ذو الفضل العظيم والإكرام فالزموا ثغوركم معشر السلفيين، واحموا حمى الدين، واحذروا من أن يتفلت إليه شيطان إنسي كالحلبي، وغيره أو شيطان جني، ولقد قلت في قصيدة: القول الحثيث في الثناء علي أهل الحديث:
لا تبرحُوا أهلَ الحديثِ ثُغُوركمْ حتى يُؤَذَّنَ بانصرامِ الأَضْلَلِ
وأما كون كل ذلك بأسلوب سفسطي جدلي من الحلبي يشكك فيه بالحقائق، ويلبس فيه الباطل، ويبهرج فيه بالكلام، ويسجع سجع الكهان، فأقول فيه:
وهل يملك هذا وأمثاله غير هذا؟! اللهم إلا من زاد على ما أتى به الحلبي من ذلك.
وما أحسن ما قاله شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب النجدي -رحمه الله- في المسألة الثانية عشرة على قوله -تعالى-:
{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} ( الحجرات :7 ) إلى قوله تعالي :{ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (الحجرات :
!!حيث قال :
الثانية عشرة: قرنه سبحانه بين العلم والحكمة، ويوضحه المثل:
(ما قُرن شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم، وما قرن شيء إلى شيء أقبح من جهل إلى خَرْق).
انتهى من كتاب "تفسير آيات القرآن الكريم " له -رحمه الله- طبعة مكتبة طاهر للتراث ص 405 إلى ص406 .
فأسلحة القوم الكذب والافتراء والتلبيس وغير ذلك من الأسلحة التي لا تقاوم الحق، وإنما أمرها معه كما قال الله:
" بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ."
وكما قال : "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ".
فجمعوا بين جهل وتلبيس وكذب وفجور وصدق رسول الله -صلي الله عليه وعلي اله وسلم- إذ قال:
((وإن الكذب يهدي إلي الفجور))
وعلي من كان هذا وصفه تمور الدوائر وتدور، ومن دافع عن أهل الأهواء، وذب عنهم، وحامى عنهم، وفداهم، وضحى من أجلهم بالسلفيين، فالتضحية به أولى، ولا يُبْكَى على هالك.
وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.
تم تسويده في يوم الاثنين الموافق الثاني والعشرين من شهر الله المحرم لسنة ثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية
وكتب
أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة
أبو عبد الله