الخوارج أصولهم ورؤسهم
خرج جماعة من المسلمين على الخليفة الثالث عثمان بن عفان لأمور نقموها منه وأحداث أنكروها عليه وما زال بهم اللجاج فى الخصومة معه حتى قتلوه . ولما انتهت الخلافة إلي علي بن أبي طالب كان ممن اختلف عليه وقاتله طلحه بن عبيد الله القرشي ، والزبير بن العوام ، فأما الزبير فقتله ابن جرموز ، وأما طلحه فرماه مروان ابن الحكم بسهم فقتله ، وكانت معهما عائشة - رضي الله عنها - علي جمل لها ، ولكنها رجعت سالمة مكرمة لم يعترض عليها أحد ، وتسمى هذه الموقعة ب " موقعة الجمل " ( 36 ه ) . وأختلف علي - أيضاَ - معاوية ومن تبعه - رضي الله عنهم - ودارت الحرب بين الفريقين حتي كان التحكيم الذى زاد الفتنة اشتعالا ودب الخلاف في جيش علي ، وخرج عليه ممن كان من أنصاره فرقة تعرف بالحرورية وبالشراة . وأشتهرت بإسم الخوارج .
* وحديث العلماء في الفرق الإسلامية عن الخوارج إنما هو عن هؤلاء الذين خرجوا علي علي - رضي الله عنه - من أجل التحكيم . أما طلحة والزبير ، ومعاوية ، ومن تبعهم ، فلم يعرفوا عند علماء المسلمين بهذا الاسم .
ثم صارت كلمة الخوارج تطلق علي كل من خرج علي أمام من أئمة المسلمين ، أتفقت الجماعة علي إمامته في أي عصر من العصور دون أن يأتي ذلك الإمام بكفر ظاهر ليس له عليه حجة ، وإذن فأول من أحدث هذه البدعة في هذه الأمة ، الجماعة التي خرجت علي على بن أبي طالب سنة 39 هـ ، وأشدهم في التمرد ، والخروج عليه ، الأشعث بن قيس ، ومسعود بن فدكي التميمي ، وزيد بن حصين الطائي ، والذي دعاهم إلي ذلك مسألة التحكيم المشهورة في التاريخ ، ورضا الملومة به مع أنهم الذين أمروه به ، واضطروه إليه ، ثم أنكروه عليه فقالوا : لم حكمت الرجال ؟ لا حكم إلا الله .
ورؤسهم ستة :الأزارقة ، والنجدات ، والصفرية ، والعجاردة ، والأباضية ، والثعالبة ، وعنها تتفرع فرقهم .
ومن أصولهم التي اشتركت فيها فرقهم ، البراءة من علي ، وعثمان وطلحة والزبير ، وعائشة ، وابن عباس - رضي الله عنهم وتكفيرهم .
والقول بأن الخلافة ليست في بني هاشم فقط ، كما تقول الشبعة ، لا في قريش فقط ، كما يقول أهل السنة ، بل في الأمة عربها وعجمها ، فمن كان أهلََ لها علماَ ، واستقامة في نفسه ، وعدالة في الأمة جاز أن يختار إماماََ للمسلمين ، ومن أصولهم الخروج علي أئمة الجور ، وكل من ارتكب منهم كبيرة . ولذلك سموا بالخوارج . والإيمان عندهم : عقيدة ، وقول ، وعمل .
وقد وافقوا في هذا أهل السنة في الجملة ، وخالفوا غيرهم من الطوائف .
ومن أصولهم - أيضاَ - : التكفير بالكبائر ، فمن أرتكب كبيرة فهو كافر . وتخليد من أرتكب كبيرة في النار إلا النجدات في الأخيرين . ولذا سموا وعيديه ، ومن أصولهم - أيضاَ - القول بخلق القرآن وإنكارا أن يكون الله قادراَ علي أن يظلم .
وتوقفت التشريع والتكليف علي إرسال الرسل ، وتقديم السمع علي العقل علي تقدير التعارض ، فمن وافقهم في هذه الأصول فهو منهم ، وإن خالفهم في غيرها ، ومن وافقهم في بعضها ، ففيه منهم بقدر ذلك ، وقد اجتمعوا بحر وراء برئاسة عبد الله بن الكواء ، وعتاب بن الأعور ، وعبد الله وهب الراسبي ، وعروة بن حدير ، ويزيد بن عاصم المحاربي ، وحرقوص بن زهير المعروف بذي الثدية . وكانوا في أثني عشر ألف رجل ، فقاتلهم علي يوم النهروان ، فما نجا منهم إلا أقل من عشرة ، فر منهم اثنان إلي عمان ، وإثنان إلي كرمان ، وإثنان إلي سجستان ، واثنان إلي الجزيره ، وواحد إلي موزان ، فظهرت بدع الخوارج في هذه المواضع .
وأول من بويع منهم بالخلافة عبد الله بن وهب الراسبي ، فتبرأ من الحكمين ، وممن رضي بهما ، وكفر هو ومن بايعه علياَ لتحكيمه الرجال ورضاه بذلك .
ثانيا : الفرق التي تشبعت من الخوارج
الأزارقة : هم جماعة من الخوارج ينسبون إلي أبي راشد نافع بن الأزرق ، خرج آخر أيام يزيد بن معاوية ، ومات سنة 65 هـ . وبايع الأزارقة بعد موته قطري بن الفجاءة ، وسموه بأمير المؤمنين ، ومن بدعهم تصويب قاتل علي ، عبد الرحمن بن ملجم . وفي ذلك يقول عمران بن حطان مفتي الخوارج :
ياضربة من منيب ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناَ
إني لأذكره يوماَ فأحسبه أوفي البريه عند الله ميزاناَ
ومنها تكفير من قعد عن الجهاد معهم ، وتكفير من لم يهتجر إليهم ، وإسقاط الرجم لعد م وجوده في القرآن ، وإسقاط الحد عمن قذف المحصنين دون المحصنات ، وعدم جواز التقية في قول أو عمل ، وإباحة قتل أطفال المخالفين لهم ونسائهم ، وعدم أداء الأمانة لمن خالفهم .
النجدات العاذرية :
ينسبون الى نجدة بن عامر الحنفى ، وكان من شأنه انه خرج من اليمامة مع عسكرة يريد اللحاق بالأزارقة ، فاستقبله آبو فديك ، وعطية بن الأسود الحنفى فى الجماعة الذين أنكروا على نافع بن الأزرق بدعة / فاخبروه بما احدثه من تكفير القعدة من القتال معه ، وغير ذلك من بدعة ، فكتب اليه ينصح له ، فلما ابى تافع ان يرجع ، بايعه على الإمامة أبو فديك ، وعطية ومن معهما ، وسموه بأمير المؤمنين .
ومن بدعهم : جواز التقية فى القول والعمل ، وتتناصفهم فيما بينهم بلا إمام فان عجزوا عن ذلك آلا بالإمام جاز لهم ان يقيموه .
وسموا بالعاذرية أنهم يعذرون من أخطأ فى أحكام الفروع8 لجهالته دون من اخطأ فى الأصول : كمعرفة الله ورسله ، والإقرار بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله جملة ولم يلبث آبو فديك وعطية ان اختلفا عليه ، وقتله آبو فديك ثم اختلف آبو فديك وعطية ، وبرئ كل منهما من الآخر ، وصار لكل منهما اتباع وسمى اتباع آبو فديك فدكية واتباع عطية ، العطوية ، وقد أرسل عبد الملك بن مروان ، عثمان بن عبيد الله بن معمر الى ابى فديك فحاربه أياما وقتله وفر عطية الى ارض سجستان .
العجاردة : هم طائفة من الخوزارج ينسبون الى عبد الكريم بن عجرد ، وهم من أصحاب عطية بن الأسود الجنفى ومن بدعهم : البراءة من الأطفال حتى يدعو الى الإسلام عند بلوغهم ، ومن بدعهم - ايضا - : ان سورة يوسف ليست من القرآن وانهم يتولون القعدة ، ويرون الهجرة فضيلة لا فرضا .
وقد افترقت العجاردة فلاقا كثيرة منها : الميمونة اتباع ميمون بن خالد وهو على مذهب المعتزلة فى القدر - ومن بدعه - ايضا - جواز نكاح بنات البنات والبنين وبنات الاود الاخوة والأخوات ، ومنها الحمزية اتباع حمزة بن ادرك ثبتوا على قول ميمون فى القدر ، وقالوا بجواز إمامين فى عصر واحد ما لم تجتمع الكلمة او تقهر الأعداء .
ومنها الاطرفية : فرقة من الحمزية رئيسهم غالب بن شاذان السجستانى سموا الطرفية لانهم يعذرون أصحاب الأطراف فى ترك ما لم يعرفوه من الشريعة إذا آتوا بما عرفوه بالعقل ، ومذهبهم : كالعاذرية فى تحكيم العقل ، ومنها الشعبية أصحاب شعيب بن محمد الذى تبرأ من ميمون لما اظهر القدر ومنها الجازمية أصحاب جازم بن على ، وكان على قول شعيب فى القدر .
الثعالبة :
هم أصحاب ثعلبه بن عامر ، كان مع عبد الكريم بن عجرد يدا واحدة الىان اختلفا فى أمر الطفل ، فقال ثعلبة بولايته حتى نرى منه إنكارا للحق ورضا بالجور فتبرأت العجاردة من ثعلبة ، ونقل عنه - ايضا انه لا يحكم فىالطفل بشئ حتى يبلغ ويدعى الى الإسلام فان أجاب فبها ، وإلا كفرا !! وقد افترقت الثعالبة فلاقا كثيرة منها : وهم ابتاع شيبان بن سلمة خرج أيام ابى مسلم الخراساني واعانه على نصر بن سيار والى خراسان من قبل هشام وقتل أناسا ممن يوافقون فى المذهب واخذ اموالهم ، فبرئت منه الثعالبة ولما قتل اخبروا بتوبته فلم يقبلوها لانه لم يرد المظالم ، ولم ينصف اولياء الدم ومن بدعهم : تشبيه الله بخلقه ، وموافقة جهم فى قوله بالجبر ، والاعتقاد ان الولاية والعداوة من صفات الله الذاتي الذاتية لا من صفات الفعل ومن لم يقبل توبة شيبان يسمون بالزيادية نسبة لرئيسهم زياد بن عبد الرحمن ومنها : الرشيدية اتباع رشيد الطوسى ومن بدعهم : اخراج نصف العشر زكاة لما سقى بالانهار ومنها المركمية أصحاب ابى مكرم بن عبد الله العجلى ، وومن مقالته : تكفير تارك الصلاة لجهلة بربه ، وغفلته عن معرفته ، وعدم مبالاته بالتكليف وقالوا بايمان الموافاة بمعنى ان الله يوالى عبادة ، ويعاديهم على ما يوافونه به الموت من خير او شر لا على اعمالهم قبل ذل ومنها المعومية والمجهولية : وهما فى الاصل من الحمزية فالمعلومية قالتن : لا يكون العبد مؤمنا حتى يعرف الله بجميع اسمائه وصفاته وقالوا فعل العبد مخلوق له ، فبرئت منهم الجازمية والمجهولية قالت من علم البعض وجهل البعض كان مؤمنا .
الاباضية :
هم اتباع عبد الله بن اباض التميمي ، الذى خرج أيام مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية قال : ان مخالفينا من اصل القبلة كفار غير مشركين أباح الحرب لا غير ، وحرم قتلهم ، وسيبهم غيلة ، أباح ذلك بعد إقامة الحجة ونصب القتال وقال : مرتكب الكبيرة موحد لا مؤمن ، وكافر نعمة لا كفرا يخرج من الملة وانه مخلد فى النار وافعال العباد مخلوقة لله مكتسبة للعبد .
وهم فرق كثيرة منها الحفصية أصحاب حفص بن ابى المقدام ، تميز عن الاباضية يجعله الفرق بين الشرك والإيمان ، معرفة الله وحده فمن عرفه فهو مؤمن ، وان كفر بالرسل وما جاءوا به ومن ارتكب كبيرة فهو كافر غير مشرك .
ومنها الحارثية :
اصحاب الحارث بن مزيد الاباضية ، خالف الاباضية فى القدر فقال بقول المعتزلة ولذا كرهوه ، وقال بالاستطاعة قبل الفعل لا معه وقال بإثبات طاعة لا يراد بها وجه الله كما قال آبو الهذيل من المعتزلة .