بسم الله الرحمن الرحيم
حكم السعي فوق سقف المسعى
إعداد
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الحمد لله وحده ، وبعد :
فبناء على خطاب سمو نائب وزير الداخلية للمملكة العربية السعودية رقم ( 26 \ 10612 ) وتاريخ 21 \ 3 \ 1393 هـ المتضمن رغبة وزارة الداخلية في دراسة موضوع السعي فوق سقف المسعى من قبل هيئة كبار العلماء بالمملكة .
وبناء على ما تقتضيه لائحة سير عمل الهيئة من قيام اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بإعداد بحث علمي فيما يحتاج إلى بحث من المواضيع التي تتجه الرغبة إلى دراستها في الهيئة - قامت اللجنة بإعداد بحث في حكم السعي فوق سقف المسعى .
وفيما يلي ما تيسر إعداده من النصوص والنقول التي يمكن أن يستعان بها في هذا الموضوع :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
وبعد : فإنه قد عرض على هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في دورتها الرابعة المنعقدة ما بين 29 \ 10 \ 1393 هـ و 12 \ 11 \ 1393 هـ موضوع ( حكم السعي فوق سقف المسعى ) ؛ ليكون وسيلة لعلاج ازدحام الناس في المسعى أيام موسم الحج .
واطلعت الهيئة على البحث المقدم عنه من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء المعد من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء . هذا نصه .
حكم السعي فوق سقف المسعى (1)
الأمر الأول : قال البخاري في [ صحيحه ] : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزهري قال : حدثني طلحة بن عبد الله : أن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل أخبره : أن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين » (2) .
قال ابن حجر : وفي الحديث تحريم الظلم والغصب ، وتغليظ عقوبته ، وإمكان غصب الأرض ، وأنه من الكبائر ، قاله القرطبي ، وكأنه فرعه على أن الكبيرة ما ورد فيه وعيد شديد ، وأن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض ، وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا بغير رضاه ، وفيه أن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجارة ثابتة وأبنية ومعادن وغير ذلك ، وأن له أن ينزل بالحفر ما شاء ، ما لم يضر بمن يجاوره . اهـ . (3) .
وقال العيني : بعد أن ساق حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين » (4) (5) :
ذكر ما يستفاد منه : فيه دليل على أن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهاها ، وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا ، سواء أضر ذلك بأرضه أو لا ، قاله الخطابي ، وقال ابن الجوزي : لأن حكم أسفلها تبع لأعلاها ، وقال القرطبي : وقد اختلف فيما إذا حفر أرضه فوجد فيها معدنا أو شبهه فقيل : هو له ، وقيل : بل للمسلمين ، وعلى ذلك فله أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بجاره ، وكذلك له أن يرفع في الهواء المقابل لذلك القدر من الأرض من البناء ما شاء ما لم يضر بأحد . اهـ .
وقال الأبي (6) : قوله : « من ظلم شبرا من الأرض » (7) . . . واستدل بعضهم على أن من ملك ظاهر الأرض يملك ما تحته مما يقابله ، فله منع من يتصرف فيه أو يحفر ، وقد اختلف العلماء في هذا الأصل فيمن اشترى دارا فوجد فيها كنزا أو وجد في أرضه معدنا ، فقيل : له ، وقيل : للمسلمين .
ووجه الدليل من الحديث : أنه غصب شبرا فعوقب بحمله من سبع أرضين . . . إلى أن قال : وكذلك يملك ما قبل ذلك من الهواء يرفع فيه من البناء ما شاء ما لم يضر بأحد . اهـ .
فدل ما تقدم على أن حكم أعلى الأرض وأسفلها تابع لحكمها في التملك والاختصاص ونحوهما ، وعلى ذلك يمكن أن يقال : إن السعي فوق الطابق الذي جعل سقفا لأرض المسعى له حكم السعي على أرض المسعى .
الأمر الثاني : وقد جاءت أحاديث في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية ابن عباس : « أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وهو على بعير ، » (
ومن رواية أم سلمة : « شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي ، فقال : طوفي وأنت راكبة » (9) ، وقد بوب البخاري في [ صحيحه ] فقال : ( باب المريض يطوف راكبا ) ثم ساق الحديثين السابقين : حديث ابن عباس ، وحديث أم سلمة ، قال ابن حجر (10) : أن المصنف حمل سبب طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا على أنه كان عن شكوى ، وأشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس بلفظ : « قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته » (11) (12) ، ووقع في حديث جابر عند مسلم : « أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس وليسألوه . وطاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه ؛ ليراه الناس ، ويشرف ليسألوه » .
فيحتمل أن يكون فعل ذلك لأمرين ، وحينئذ لا دلالة فيه على جواز الطواف راكبا لغير عذر ، وكلام الفقهاء يقتضي الجواز ، إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيها ، والذي يترجح المنع ، لأن طوافه صلى الله عليه وسلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد ، ووقع في حديث أم سلمة : « طوفي من وراء الناس » (13) ، وهذا يقتضي منع الطواف في المطاف ، وإذا حوط المسجد امتنع داخله ، إذ لا يؤمن التلويث ، فلا يجوز بعد التحويط ، بخلاف ما قبله ، فإنه كان لا يحرم التلويث كما في المسعى ، وعلى هذا فلا فرق في الركوب إذا ساغ بين البعير والفرس والحمار ، وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا فللحاجة إلى أخذ المناسك عنه ولذلك عده بعض من جمع خصائصه فيها . اهـ .
وفي [ صحيح البخاري ] بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما . قال : « طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن » (14) .
قال العيني : وأخرج مسلم عن أبي الطفيل : « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن » (15) ، وروى مسلم عن جابر : « طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه ، ليراه الناس ، وليشرف ليسألوه » . . . قال : ذكر معناه قوله : « طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير » (16) . قال ابن بطال : استلامه بالمحجن راكبا يحتمل أن يكون لشكوى به . . . إلى أن قال : وقال النووي : قال أصحابنا : الأفضل أن يطوف ماشيا ، ولا يركب إلا لعذر من مرض ونحوه ، أو كان يحتاج إلى ظهوره ليستفتى ويقتدى به ، فإن كان لغير عذر جاز بلا كراهة ، لكنه خلاف الأولى . . . إلى أن قال : وقال مالك وأبو حنيفة : إن طاف راكبا لعذر أجزأ ولا شيء عليه ، وإن كان لغير عذر فعليه دم ، قال أبو حنيفة : وإن كان بمكة أعاد الطواف . اهـ (17) .
وقال السرخسي : وإن طاف راكبا أو محمولا ؛ فإن كان لعذر من مرض أو كبر لم يلزمه شيء ، وإن كان لغير عذر أعاده ما دام بمكة ، فإن رجع إلى أهله فعليه الدم عندنا ، وعلى قول الشافعي لا شيء عليه ؛ لأنه صح في الحديث : « أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف للزيارة يوم النحر على ناقته واستلم الأركان بمحجنه » (18) .
ولكن نقول : المتوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا الطواف ماشيا ، وهذا على قول من يجعله كالصلاة ؛ لأن أداء المكتوبة راكبا من غير عذر لا يجوز ، فكان ينبغي أن لا يعتد بطواف الراكب من غير عذر ، ولكنا نقول : المشي شرط الكمال فيه ، فتركه من غير عذر يوجب الدم ؛ لما بينا ، فأما تأويل الحديث فقد ذكر أبو الطفيل رحمه الله أنه طاف راكبا لوجع أصابه ، وهو أنه وثبت رجله ؛ فلهذا طاف راكبا ، وذكر أبو الزبير عن جابر : « أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا لكبر سنه » ، وعندنا إذا كان لعذر فلا بأس به ، وكذلك إذا طاف بين الصفا والمروة محمولا أو راكبا ، وكذلك لو طاف الأكثر راكبا أو محمولا فالأكثر يقوم مقام الكل على ما بينا . ا هـ (19) .
وقال ابن الهمام : على قول صاحب [ الهداية ] : ( وإن أمكنه أن يمس الحجر شيئا في يده ) كالعرجون وغيره ، ثم قبل ذلك فعل ؛ لما روي : « أنه عليه السلام طاف على راحلته واستلم الأركان بمحجنه » (20) ، وقوله : وإن أمكنه أن يمس الحجر شيئا في يده أو يمسه بيده ، ويقبل ما مس به - فعل ،أما الأول فلما أخرج الستة إلا الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما : « أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه ؛ لأن يراه الناس ويشرف ، وليسألوه ، فإن الناس غشوه » (21) .
وأخرجه البخاري عن جابر إلى قوله : لأن يراه الناس ، ورواه مسلم عن أبي الطفيل : « رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن » (22) ثم أورد إشكالا حديثيا وهو : أن الثابت بلا شبهة : أنه عليه السلام رمل في حجة الوداع ، وطوافه راكبا على البعير ينافي ذلك . . . إلى أن قال : والجواب : أن في الحج للآفاقي أطوفة ، فيمكن كون المروي من ركوبه كان في طواف الفرض يوم النحر ليعلمهم ، ومشيه كان في طواف القدوم ، وهو الذي يفيده حديث جابر الطويل ؛ لأنه حكى ذلك الطواف الذي بدأ به أول دخوله مكة المكرمة ، كما يفيده سوقه للناظر فيه .
فإن قلت : فهل يجمع بين ما عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما : « إنما طاف راكبا ليشرف ويراه الناس فيسألوه » وبين ما عن سعيد بن جبير : « أنه إنما طاف كذلك ؛ لأنه كان يشتكي » كما قال محمد : أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان : أنه سعى بين الصفا والمروة مع عكرمة ، فجعل حماد يصعد الصفا وعكرمة لا يصعد ، ويصعد حماد المروة وعكرمة لا يصعد ، فقال حماد : يا أبا عبد الله ، ألا تصعد الصفا والمروة ، فقال : هكذا كان طواف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال حماد : فلقيت سعيد بن جبير فذكرت له ذلك ، فقال : إنما طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته وهو شاك يستلم الأركان بمحجن ، فطاف بين الصفا والمروة على راحلته ، فمن أجل ذلك لم يصعد . اهـ (23) .
وقال الدسوقي : ( قوله : إذ هو واجب . . . إلخ ) .
حاصله : أن المشي في كل من الطواف والسعي واجب على القادر عليه ، فلا دم على عاجز طاف أو سعى راكبا أو محمولا ، وأما القادر إذا طاف أو سعى محمولا أو راكبا فإنه يؤمر بإعادته ماشيا ما دام بمكة المكرمة ، لا يجبر بالدم حينئذ ، كما يؤمر العاجز بإعادته إن قدر ما دام بمكة المكرمة ، وإن رجع لبلده فلا يؤمر بالعودة لإعادته ، ويلزمه دم ، فإن رجع وأعاده ماشيا سقط الدم عنه ، ثم قال : وهذا في الطواف الواجب ، وأما الطواف غير الواجب فالمشي فيه سنة ، وحينئذ فلا دم على تارك المشي فيه ، قاله عج . اهـ (24) .
قال النووي : والأفضل : أن يطوف راجلا ؛ لأنه إذا طاف راكبا زاحم الناس وآذاهم ، وإن كان به مرض يشق معه الطواف راجلا لم يكره الطواف راكبا ؛ لما « روت أم سلمة أنها قدمت مريضة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : طوفي وراء الناس وأنت راكبة » (25) ، وإن كان راكبا من غير عذر جاز ؛ لما روى جابر : « أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس وسألوه » (26) .
حديث أم سلمة رواه البخاري ، وحديث جابر رواه مسلم ، وثبت طواف النبي صلى الله عليه وسلم في [ الصحيحين ] من رواية غير هؤلاء ، ولفظ حديث ابن عباس : « أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن » (27) رواه البخاري ومسلم ، وفي حديث : « طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته يستلم الركن بمحجنه؛ لأن يراه الناس ، وليشرف ليسألوه ، فإن الناس غشوه » (28) رواه مسلم . وعن عائشة قالت : « طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعير يستلم الركن كراهة أن يضرب عنه الناس » (29) رواه مسلم .
وأما ا لأحكام :
فقال أصحابنا : الأفضل أن يطوف ماشيا ، ولا يركب إلا لعذر مرض أو نحوه ، أو كان ممن يحتاج الناس إلى ظهوره ليستفتى ويقتدى بفعله ، فإن طاف راكبا بلا عذر جاز بلا كراهية ، لكنه خالف الأولى ، كذا قاله جمهور أصحابنا . . . إلى أن قال : ( فرع ) قد ذكرنا مذهبنا في طواف الراكب ، ونقل الماوردي إجماع العلماء على أن طواف الماشي أولى من طواف الراكب . اهـ (30) .
وقال أيضا : أما سنن الطواف وآدابه فثمان : أحدها : أن يطوف ماشيا ، فإن طاف راكبا لعذر يشق معه الطواف ماشيا أو طاف راكبا ليظهر ويستفتى ويقتدى بفعله - جاز ولا كراهة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا في بعض أطوافه ، وهو طواف الزيارة ، ولو طاف راكبا بلا عذر جاز . اهـ .
وقال ابن حجر الهيتمي في حاشيته على الشرح قوله : وهو طواف الزيارة ، أما ما أشار إليه من ركوبه صلى الله عليه وسلم فيه إنما كان ليظهر فيستفتى ، هذا ما رواه مسلم ، قال السبكي : وهذا أصح من رواية من روى أنه طاف راكبا لمرض ، أشار بذلك إلى ما رواه أبو داود على أن في إسناده من لا يحتج به ، وقال البيهقي : في حديثه : لفظه لم يوافق عليها ، وهي قوله : ( وهو يشتكي ) ، ومن ثمة قال الشافعي : لا أعلم أنه صلى الله عليه وسلم فعله ماشيا ، وخبر مسلم أنه طاف في حجة الوداع راكبا على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة - لا ينافي ذلك ، وإن كان سعيه في تلك الحجة إنما كان مرة واحدة وعقب طواف القدوم ؛ لأن الواو لا تقتضي ترتيبا . اهـ (31) .
وقال في [ الإيضاح ] أيضا : ويجوز الطواف في أخريات المسجد ، وفي أروقته وعند بابه من داخله وعلى أسطحته ، ولا خلاف في شيء من هذا ، لكن قال بعض أصحابنا : يشترط في صحة الطواف أن يكون البيت أرفع بناء من السطح ، كما هو اليوم حتى لو رفع سقف المسجد فصار سطحه أعلى من البيت لم يصح الطواف على هذا السطح ، وأنكره عليه الإمام أبو القاسم الرافعي . اهـ (32) .
وقال ابن قدامة : لا نعلم خلافا في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر . . . إلى أن قال : فصل : فأما الطواف راكبا أو محمولا لغير عذر فمفهوم كلام الخرقي أنه لا يجزئ ، وهذا هو إحدى الروايات عن أحمد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الطواف بالبيت صلاة » (33) (34) .
ولأنها عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكبا لغير عذر كالصلاة ، والثانية : يجزئه ويجبره بدم ، وهو قول مالك ، وبه قال أبو حنيفة إلا أنه قال : يعيد ما كان بمكة المكرمة ، فإن رجح جبره بدم ؛ لأنه ترك صفة واجبة من واجبات الحج فأشبه ما لو وقف بعرفة نهارا ودفع قبل غروب الشمس ، والثالثة : يجزئه ولا شيء عليه . اختارها أبو بكر وهي مذهب الشافعي وابن المنذر ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالطواف مطلقا فكيفما أتى به أجزأه ولا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل ثم قال : فصل فأما السعي راكبا فيجزئه لعذر ولغير عذر ؛ لأن المعنى الذي منع الطواف راكبا غير موجود فيه . اهـ (35) .
وقال البهوتي (36) : ومن طاف أو سعى راكبا أو محمولا لغير عذر لم يجزئه الطواف ولا السعي ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « الطواف بالبيت صلاة » (37) ، ولأنه عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكبا كالصلاة ، والسعي كالطواف ، والطواف أو السعي راكبا أو محمولا لعذر يجزئ ؛ لحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن ، وعن أم سلمة قالت : « شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال : طوفي من وراء الناس راكبة » (38) متفق عليه ، ولأن طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا لعذر - كما يشير إليه قول ابن عباس - كثر عليه الناس ، يقولون : هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا تضرب الناس بين يديه فلما كثروا عليه ركب . رواه مسلم ، واختار الموفق والشارح : يجزئ السعي راكبا ولو لغير عذر . اهـ .
مما تقدم يتبين : أنه يجوز للحاج والمعتمر أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة راكبا لعذر باتفاق ، ولا شيء عليه ، أما غير المعذور فله أن يسعى راكبا لكن المشي له أفضل ، وفي طوافه راكبا خلاف ، فقيل : يجزئه ولا شيء عليه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طواف الزيارة راكبا ، وقيل يجزئه وعليه دم جبرا ؛ لأن الطواف له حكم الصلاة في الجملة ، والمفترض لا يصلي محمولا ، ولأن ركوبه صلى الله عليه وسلم في الطواف كان لوجع في رجله أو ليراه الناس فيسألوه ، وقيل : لا يجزئه لحديث : « الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام » (39) والمفترض لا تصح صلاته راكبا لغير عذر ، وطواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا كان لعذر كما تقدم .
وعلى هذا يمكن أن يقال بإجزاء السعي على سقف المسعى ؛ بل بجوازه ، وإن كان المشي أفضل لشبهه بالسعي راكبا بعيرا ونحوه ، إذ الكل غير مباشر للأرض في سعيه ، وخاصة أنه لم يرد في السعي ما يلحقه بالصلاة في حكمها ؛ بل أنه أولى من الطواف راكبا بالإجزاء ، فإذا صح الطواف راكبا لعذر صح السعي فوق سقف المسعى لعذر ، وفي سعيه فوقه لغير عذر يكون فيه الخلاف في جوازه وإجزائه ، وأخيرا إن اعتبر في إجزاء السعي فوق سقف المسعى أو جوازه وجود العذر نظر في زحام السعاة في الحج والعمرة ، هل يقوم عذرا أو لا . والله الموفق .
__________
(1) يمكن أن يرجع في ( حكم السعي بين الصفا والمروة فوق سقف المسعى ) إلى الأمور الآتية : أن من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أرضين . الطواف والسعي على بعير ونحوه . استقبال الكعبة في الصلاة . رمي الحاج الجمرات وهو راكب .
(2) صحيح البخاري المظالم والغصب (2320),صحيح مسلم المساقاة (1610),سنن الترمذي الديات (1418),مسند أحمد بن حنبل (1/190),سنن الدارمي البيوع (2606).
(3) [ صحيح ] البخاري ، مع شرحه [ فتح الباري ] ، ( 5 \ 38 ) .
(4) صحيح البخاري المظالم والغصب (2320),صحيح مسلم المساقاة (1610),سنن الترمذي الديات (1418),مسند أحمد بن حنبل (1/190),سنن الدارمي البيوع (2606).
(5) [ صحيح ] البخاري ، مع شرحه [ عمدة القاري ] ( 12 \ 298 ) .
(6) [ صحيح مسلم ] ، مع شرحه [ إكمال المعلم ] ( 4 \ 313 ، 314 ) .
(7) صحيح البخاري بدء الخلق (3026),صحيح مسلم المساقاة (1610),سنن الترمذي الديات (1418),مسند أحمد بن حنبل (1/187),سنن الدارمي البيوع (2606).
(
صحيح البخاري الحج (1534),صحيح مسلم الحج (1272),سنن النسائي المساجد (713),سنن أبو داود المناسك (1877),سنن ابن ماجه المناسك (2948),مسند أحمد بن حنبل (1/215).
(9) صحيح البخاري الصلاة (452),صحيح مسلم الحج (1276),سنن النسائي مناسك الحج (2925),سنن أبو داود المناسك (1882),سنن ابن ماجه المناسك (2961),مسند أحمد بن حنبل (6/319),موطأ مالك الحج (832).
(10) [ صحيح ] البخاري ، مع شرحه [ الفتح ] ، ( 3 \ 460 ) .
(11) سنن الترمذي الحج (865),سنن النسائي المساجد (713),سنن أبو داود المناسك (1881),سنن ابن ماجه المناسك (2948),مسند أحمد بن حنبل (1/248),سنن الدارمي المناسك (1845).
(12) تمام الحديث : كلما أتى على الركن استلم الركن بمحجنه فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين ، سكت عنه أبو داود ، وقال المنذري : في إسناده يزيد بن أبي زياد ولا يحتج به ، وقال البيهقي : في حديث يزيد بن أبي زياد لفظة لم يوافق عليها وهي قوله '' وهو يشتكي '' [ مختصر السنن ] ( 2 \ 377 ) .
(13) صحيح البخاري الصلاة (452),صحيح مسلم الحج (1276),سنن النسائي مناسك الحج (2925),سنن أبو داود المناسك (1882),سنن ابن ماجه المناسك (2961),مسند أحمد بن حنبل (6/319),موطأ مالك الحج (832).
(14) صحيح البخاري الحج (1530),صحيح مسلم الحج (1272),سنن النسائي المساجد (713),سنن أبو داود المناسك (1877),سنن ابن ماجه المناسك (2948),مسند أحمد بن حنبل (1/248).
(15) صحيح مسلم الحج (1275),سنن أبو داود المناسك (1879),سنن ابن ماجه المناسك (2949),مسند أحمد بن حنبل (5/454).
(16) صحيح البخاري الحج (1530),صحيح مسلم الحج (1272),سنن النسائي المساجد (713),سنن أبو داود المناسك (1877),سنن ابن ماجه المناسك (2948),مسند أحمد بن حنبل (1/248).
(17) [ صحيح البخاري ] مع شرحه [ عمدة القاري ] ( 6 \ 523 ) .
(18) مسند أحمد بن حنبل (1/237).
(19) [ المبسوط ] ( 4 \ 45 ) .
(20) سنن الترمذي الحج (858),سنن ابن ماجه المناسك (2953),مسند أحمد بن حنبل (1/237).
(21) صحيح مسلم الحج (1273),سنن النسائي مناسك الحج (2975),سنن أبو داود المناسك (1880).
(22) صحيح مسلم الحج (1275),سنن أبو داود المناسك (1879),سنن ابن ماجه المناسك (2949),مسند أحمد بن حنبل (5/454).
(23) [ شرح فتح القدير ] ( 2 \ 147 ) .
(24) [ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ] ( 2 \ 40 ) .
(25) صحيح البخاري الصلاة (452),صحيح مسلم الحج (1276),سنن النسائي مناسك الحج (2925),سنن أبو داود المناسك (1882),سنن ابن ماجه المناسك (2961),مسند أحمد بن حنبل (6/319),موطأ مالك الحج (832).
(26) سنن النسائي مناسك الحج (2975).
(27) صحيح البخاري الحج (1530),صحيح مسلم الحج (1272),سنن النسائي المساجد (713),سنن أبو داود المناسك (1877),سنن ابن ماجه المناسك (2948),مسند أحمد بن حنبل (1/248).
(28) صحيح مسلم الحج (1273),سنن النسائي مناسك الحج (2975),سنن أبو داود المناسك (1880).
(29) صحيح مسلم الحج (1274),سنن النسائي مناسك الحج (2928).
(30) [ المهذب مع شرحه المجموع ] للنووي ( 8 \ 29 ، 30 ) .
(31) [ متن الإيضاح في مناسك الحج للنووي مع شرحه ] لابن حجر الهيتمي ( 11 \ 255 ) .
(32) [ الإيضاح ] للنووي ( 1 \ 239 ) مع شرحه للهيتمي .
(33) سنن النسائي مناسك الحج (2922),مسند أحمد بن حنبل (4/64).
(34)قال الزيلعي في [ نصب الراية ] ( 3 \ 57 ) : قلت : رواه ابن حبان في [ صحيحه ] في النوع السادس والستين من القسم الثالث من حديث فضيل بن عياض ، والحاكم في [ المستدرك ] من حديث سفيان كلاهما عن عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : '' الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه النطق ، فمن نطق فيه فلا ينطق إلا بخير '' انتهى . وسكت الحاكم عنه ، وأخرجه الترمذي في كتابه عن جرير عن عطاء بن السائب به بلفظ : '' الطواف حول البيت مثل الصلاة '' قال : وروي هذا الحديث عن ابن طاووس وغيره عن طاووس موقوفا ، ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن السائب . انتهى ، وعن الحاكم رواه البيهقي في [ المعرفة ] بسنده ، ثم قال : وهذا حديث قد رفعه عطاء بن السائب في رواية جماعة عنه وروي عنه موقوفا وهو أصح . اهـ
(35) [ المغني والشرح الكبير ] ( 3 \ 415 ) .
(36) [ كشاف القناع ] ( 2 \ 433 ) .
(37) سنن النسائي مناسك الحج (2922),مسند أحمد بن حنبل (4/64).
(38) صحيح البخاري الصلاة (452),صحيح مسلم الحج (1276),سنن النسائي مناسك الحج (2925),سنن أبو داود المناسك (1882),سنن ابن ماجه المناسك (2961),مسند أحمد بن حنبل (6/319),موطأ مالك الحج (832).
(39) سنن النسائي مناسك الحج (2922),مسند أحمد بن حنبل (4/64).